القلوب الهَرمة

للكتاب حياة محمود، في مقالات،

القلوب الهَرمة

للكتاب: حياة محمود،


" الشباب عماد الأمة " مقولة يعرفها الصغير و الكبير ، و يرددها الكثير ، مقولة شاخت منذ زمن في عصر ليس فيه لشباب الأمة عماد يبنون عليه أحلامهم ، و لعل أقصى أحلامهم حياة طبيعية خالية من زوبعة هذا العالم الذي يعصف بهم من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ؛ لذا ليكون سؤالنا كيف يكون العماد من لا يملك عماد ؟ ، كيف يكون العماد من تحمل مشاعره تجاعيد الفقر و النكبات ،الفساد،المحسوبية،البطالة ،سيطرة القوي على الضعيف...الخ من الأحداث السوداوية المتتالية التي تعاصرها هذه الأجيال.
أجيالنا هذه رويداً رويداً دخلت أرواحهم في سن اليأس؛ لإنهم لم يجدوا أمامهم إلا التيه ، أغلبهم بلا أحلام ، أكثرهم بلا أهداف ، أفضلهم جُل همه السخافات،صاحب الذكاء فيهم لا يحب العلم والعمل ، المجتهد منهم منعته الواسطة من الوصول إلى مبتغاه، قويهم نائمٌ في سبات ،ضعيفهم يسعى اليوم بأكمله من أجل لقيمات ، غنيُهم غارقٌ في الملذات ، فقيرهم يصارع بين العيش و الممات ، وبين كل هذه الفئات لا يوجد حلقة وصل ، ساد بينهم الشتات، لا يَجبر أحدهم كسر الآخر ، ينظرون لبعضهم بحزنٍ و يأس ،يلعنون سوء حظهم وظروفهم، لم يجمعهم أحد ، هُدرت طاقتهم في هذا الزمان الغريب،سلكوا طريقاً مريب ، السوء فيه يطيب و الخير شيٌ لا يُرى وإن صادفهم قالوا :ما هذا الشيء العجيب ؟ !.
ماذا يفعل الجسد الشاب و بداخله أرواح مسنة من ويل الزمان و الإرادة المقتولة؟ ، عماد الأمة هؤلاء ضاعت روح الشباب من داخلهم ؛ لذا لا تستغرب حين تراهم قعود يعبثون في هواتفهم الذكية و يقولون لك :"ذهب الشباب فما له من عودةٍ" ، الظلم لا يدهشهم بل أصبح من روتين أيامهم ، يحفظون ملامح الويل جيداً ، يمشون في حدود دائرة رسموها حول أنفسهم ،يصادقون الفشل لكنهم يلاحقون النجاح، يبغضون الأمل لكنهم ما زالوا يذكرونه عن طريق الخطأ بألسنتهم، يتهافتون إلى المنكرات لكنهم يستمرون بالنظر خلفهم خوفاً و طمعاً بأن يعيدهم أحد أو شيء إلى مأمنٍ ما ، يسبحون في بحر الضلال ويخرجون إلى شاطئه بين الحين و الحين ليبحثو في الرمال عن أحد معالم الحياة الطبيعية البسيطة ، جناة هم أم مجني عليهم ؟ ، هل هم من أوقعوا بأنفسم أم أُلقي بهم ؟ ... مَن يعلم ذلك ؟! .
أجل ، هكذا أصبح عماد الأمة بتركيبة معقدة ، قلوبهم تتوكأ على عصا خيباتهم الهشة ، وتعلوها تجاعيد مشاعرٍ كانت أرواحهم أضعف من مجابهتها ، قلوبهم هرمت من جرعة الحياة الزائدة ،هرمت من الاِنتظار، من اللاشيء ، ومن الفراغ الذي يجتاح طاقاتهم و يُذهبها، وكأنَّ جبالً شاهقة تحجب عن قلوبهم عنفوان الشباب ، كأنهم في هذه الحياة منذ قرون ،هرمت قلوبهم والجسد صغير .
لكن الأمة بحاجة إلى عمادها ؛ لكي تعلو و تبني صرحها ، وتختار صفها من جديد ،عودتهم بعودتها وبهم تعود في مقدمة الصفوف و تبني مجدها؛ لذا هم بحاجة ماسة إلى مَن يمد يد العون لهم ويعيد لقلوبهم الهرمة ربيع العمر و روح الشباب .

© 2024 - موقع الشعر