المنتقبة والبحر! - أحمد علي سليمان

أزفُ إليكِ زائرتي التحايا
خصصتُ بهن سيدة الصبايا

فمرحى بالتي سترتْ جمالاً
مُطبّقة هُدى رب البرايا

وأخفى وجهَها أرجى نقاب
وسترُ الوجه من خير السجايا

أرحّبُ بالعفيفة باحتفاءٍ
وبشْر قد تخبّأ في الطوايا

أبَجّلها ، وأكْبرُها احتراماً
وأوسعُها بموفور التحايا

وأكرمُ زوجَها تبعاً وحُباً
أتى يحمي الحَصانَ من الخزايا

أبلغها ابتشارَ الموج جَزلاً
وفرْحاً في سُوَيداء الحنايا

أبلغها احتفالَ الرمل أسمى
رُقِياً من خيال في الحَكايا

وأودعُها مآسيَ ما أعاني
من الأقوام ما احترموا حِمايا

أتوني عازمين على التدني
وخابَ القومُ مالوا للدنايا

ونسوانٌ رخصن لكل راءٍ
أتين إلى الشواطئ بالصبايا

وضمّ الكل عُريٌ وانحدار
إلى دَرْك السوائم والمَطايا

وآباءٌ على الأمواج عاموا
وأخوالٌ ، وتدرين البقايا

ففي الطرقات قد سُترتْ جُسومٌ
وفي الشطآن جُردتِ البرايا

بأمر الله سِترٌ واحتشامٌ
فمن بالعُرْي آذن للولايا

يُقالُ: البحرُ يأمرُ ، ثم ينهى
وهذي من أضاليل الروايا

أنا المخلوقُ لا أرضى بهذا
ورب الناس أعلمُ بالنوايا

أحب السترَ ، هذا شرعُ ربي
وأهلُ الستر هم أزكى الرعايا

لذا رحبتُ بالعصماء ضيفاً
وترحيبي بها أحلى العطايا

بهذا الستر نُمنحُ كل خير
وتغمرُنا المناقبُ والمزايا

وبالعُرْي الدغاولُ تحتوينا
وتُدركُنا المصائبُ والبلايا

وينحدرُ الأنامُ إلى التردي
وتَطوي الدارَ طارقة الدنايا

سَلوا دُوراً تُبددُها بحارٌ
ويُصبحُ أهلها أشقى الضحايا

بما كسبوا ، فما ربي ظلوماً
فبالعِصيان تُجتلبُ المنايا

بشُطآن العُراة يكون سيلٌ
من الأبحار يُهدينا الخفايا

لقد ضاقت بحارُ الأرض ذرعاً
بمن هم – للتهتكِ - كالسبايا

فيا أهلَ السفول كفى سُفولاً
وسيراً في دياجير البغايا

أناصحُكم ، وأبذلُ خيرَ وعظي
وأوصيكم لقد تُجدي الوصايا

يمينَ الله لو خيّرتُ فيكم
لأغرقتُ المدائنَ والسرايا

لأنهيَ ما اعتراكم مِن سقوطٍ
وما اقترفَ الغفاة مِن الخطايا

وتبقى رحمة المَولى ضَماناً
ومَن يُؤوي كخلاق البرايا؟

مناسبة القصيدة

(تنتابُ المرأة ساعاتٌ من الملل والسآمة ، كغيرها من سائر البشر! ومنتقبة قصيدتنا أصابها شيءٌ من رتابة الحياة ، فاحتارتْ أين تذهب وإلى أين تتجه ، فوقع اختيارها على البحر برفقة زوجها ، وفي مكان يطل على البحر ، لكنه بعيدٌ عن العجماوات والسوائم ، المنفلتة من رباط القيم والأخلاق! فرحّب البحر بها ، مفتخراً بحجابها وسِترها ، وشكا إليها السوائم وتعريها وسفولها! ولقد كان لها ولزوجها حقٌ كبيرٌ في البُعد عن اللحوم الرخيصة التي رخصت على أصحابها ، والأعراض المهينة التي هانت على أصحابها! فأنصتتِ الأخت الصالحة لحديث البحر إليها ، وأمتعها ذلك ، وشعرتْ أنها حظيت بالقبول عند البحر ، عنها وعن حشمتها ووقارها! فأخذت قلمي ونقشتُ هذه القصيدة أصور فيها حوار البحر مع الأخت الصالحة! وكنتُ قد أعطيتها هذا العنوان الذي يجعل من البحر إنسانا يتحدث إلى ضيفه!)
© 2024 - موقع الشعر