ورقة خريف - أحمد علي سليمان

خريفُ العمر أعيته الجراحُ
فأضحى – في الديار – له نواحُ

وقد فاضت دموعاً مقلتاهُ
وولى معرضاً عنه المِراح

تأرجحتِ الحياة ، فلا ثباتٌ
وحسنُ الوجه تذروه الرياح

وصفحُ القلب فارق دون عودٍ
وشدوُ الروح شط به الكُساح

وحزنُ النفس عربد في الحنايا
ونورُ العين أردتْه الرماح

وإن الشيب حل ، فلا اعتذارٌ
وحربُ الشيب عاتية رداح

فلا عِللُ تفيد ، ولا التياعٌ
ولا دمعٌ يفيد ولا صياح

نذيرٌ ذلك الشيبُ وذكرى
يؤذن بالرحيل ، فلا ارتياح

وملحمة المشيب تشن حرباً
وليس بهذه الهيجا سلاح

ولكن أخذة للموت عجلى
وليس بنافع إلا الصلاح

خريفٌ ليس يعقبه شتاءٌ
وظعنٌ ليس يعقبه رواح

ويُلقى المرءُ – في القبر - وحيداً
ويَرمي الغيب ما ستر الوشاح

ويذهب كل خير ورخاءٍ
فيمضي الزادُ والماءُ القراح

وتذهب عنك أموالٌ ودنيا
وأصحابٌ وأوقاتٌ وراح

وأولادٌ وزوجاتٌ ويُسرٌ
وغاداتٌ رشيقاتٌ مِلاح

وشطآنٌ بها ما تشتهيهِ
وتفنى الدور ، حتى والبطاح

يزول الكل ، والرحمن يبقى
فلا يلعبْ بك الوهمُ الصراح

ومن يهزلْ فلا تحزنْ عليهِ
إذا أودى به الكفرُ البَواح

خريفك - في ثنايا العمر - ولى
فلا تعبثْ بك الحِيَلُ القِباح

وإني قد وعظتك ، فاتبعني
رويدك ، لا يغرنْك المزاح

وتقوى الله خيرُ الزاد صدقاً
وإن لزومك التقوى فلاح

فعجّلْ بالمَثوبة ، عل يوماً
يطل عليك ليس له صباح

© 2024 - موقع الشعر