فتى الأحلام - أحمد علي سليمان

ماذا أقول لمَن زلتْ بها القدمُ؟
ومَن - على رجسها - تأسّف الألمُ

ومن - لغفلتها - باعت نضارتها
ثم انبرى يشتكي – من هزلها - الندم

ومن أضاعت سُدىً فحوى أنوثتها
حتى انثنى عُودُها المستشرفُ الشبم

ومن تلوكُ ضحىً مأساة سقطتها
وليس يقوى - على تصويرها - القلم

ومن تمرّق منها العز حين غوتْ
فأصبحتْ ينزوي – في ظِلها - العدم

ومن تدنس فيها ماءُ نشوتها
ثم اغتدى عطرُها الفواح يُخترم

ومن تمرّغ – في الأوحال - خاطرها
وفي ترائبها الإحساسُ ينهدم

ومن تحدّر منها مسكُ عِفتها
وقد أحاطتْ بها - في الفتنة - الأزم

ومن تبخر فيها زادُ سُؤدَدِها
حتى علاها الأسى والذل والبَكَم

ومن تشتت - في أشلائها - غدُها
حتى ألمّتْ بها – في الأزمة - الجُرُم

في مقتل طعِنتْ ، لمّا تعقبها
داءُ الغرام ، فهانت عندها الحُرُم

حتى هوتْ في حضيض الأرض تلثمه
لذا أهينتْ ، وكانت قبلُ تحترَم

كانت تؤمّل - في آلامها - رجلاً
من الأعارب ، أو زجتْ به العجَم

يُقِيل عَثرتها ، في غابةٍ أسنتْ
وليس يحوي الذي عجّتْ به كَلِم

يحنو عليها ، إذا اشتدت دغاولها
ويجتبيها ، إذا اشتطتْ بها الديَم

ويجلب الخير في بيت لها عطِر
شعارُه الجودُ والإحسانُ والكَرَم

لترفل الغادة الحسناء في نِعم
تدوسُها العين والأهدابُ والقدم

حتى تعبئ – في الآفاق - فرحتها
فإن أمثالها - من الرخا - عُصُم

حتى تقنطِر أموالاً وأرصدة
فإنما المال – في دنيا الشقا - دِعَم

كانت تشيّد بين الناس مملكة
تميس في طولها ، كأنها الهرم

تختال تِيهاً بما احتالت لعيشتها
مِن أن قلت هذه المغرورةَ القيم

وفصّل الذئبُ مُحتالاً غوايتها
كأنه الحوتُ ، والمسكينةَ البَلم

تعقبَ الصَيدَ حتى نال مَأربه
كأنه العِيرُ والخِرفان والغنم

بضاعة رخصتْ في جيل غفلتنا
وقصة تستحي - من سردها - إرم

إن الأسود تعاف الغدر إن غدرتْ
وذئبُ قصتنا ليست له شِيَم

سوى التشفي بلا حدٍ ولا هدفٍ
مثل التي أثقلتْ ، وأزها الوَحَم

تعوي الكلابُ ، لها نبحٌ على جيفٍ
لحمٌ تعرى ، عليه العطرُ والكَتم

والنارُ مُوقدة في كل ضاحيةٍ
حتى النفوسُ شوى إصرارها الضرم

تنوّعَ العُهرُ في أصقاع ضيعتنا
ومِن كوارثه الدموعُ تنسجم

تستقرئ الناسَ: هذا في ضلالته
وذاك من خدَر (الأفلام) يبتسم

حتى تفاجأ بالمأساة تسحقها
وفي معاطفها الأخلاقُ تضطرم

فتمضغ الضيمَ – عمداً – ثم تبلعُه
لأنها رضختْ ، فعافها السلم

يا خيبة الجيل فيما ساد مِن مِحن
تشوي تديُنَه ، كأنها الحُمَم

شبابنا - في دجى التغريب - مرتكسٌ
وجرحُه لجبٌ ، وليس يلتئم

ولا يُحس بما قد حِيك مِن خِدع
وقد أحاطتْ به الأهواءُ والظلم

عدوه ساهرٌ – في الليل - يرقبُه
يريد شراً به ، ومنه ينتقم

لم يألُ جهداً ، ولم تيأسْ كتائبُه
وسيلُ تخريبه – في دارنا - سَجم

مسلسلاتٌ وأفلامٌ مُنسقة
وأغنياتٌ لها – في الملتقى - نغم

في كل يوم أباطيلٌ مُهندمة
عبر الأثير ، ومَغزاها هو السأم

وفي المجلة أزياءٌ مزركشة
والحسنُ في هجمة الماسون منهزم

والعُرْيُ يُغري تيوساً في مرابعها
وللسقوط غدتْ – في دارنا - فؤم

وفي الجرائد كم دُعر يزخرفها
تسوقه الغِيدُ – للباغين - والرنم

يُحاكم القومُ مَن يبيع خمرته
ومَن يبيع الأغانيْ ليس يُتهم

ومن يُروّجُ - للأفلام - مِهنته
هي البريئة ، عاشت للورى النظم

مَن كان يُفسد جيلاً لا تعاقبُه
ومَن يُروّجُ للأفيون مُتهم

حدّ الحِرابة مَن فينا يطبقه؟
متى يُقيم حدودَ الله معتصم؟

سل الصبايا عن الأخلاق كيف غفتْ؟
وكيف حلتْ بنا الأوجاعُ والنقم؟

سلهن عن سوَر القرآن ما حُفظتْ
وكم وعيْن؟ فلا عَدٌ ولا رَقم

ماذا علمن عن الإسلام في زمن
دينُ المليك به – في الكون - ينهضم

سلهن عن سُنة (العدنان) ما ظهرتْ
آثارها عندما ضاقت بها الذمم

سلهن عن أثر المكياج شرّعهُ
أهلُ الصليب لمَن في دينهم هُزموا

سلهن عن رحلة الموضات ، سافرَها
جيلٌ - على أحدث الصيحات - يختصم

سلهن عن قصة الأشعار قام بها
مُصففُ الشعر ، مَن أودتْ به اللمم

سلهن عن مطرب أغرى بآهته
كل الصبايا ، وليس الأمر ينكتم

سلهن عن هاتفٍ فاقت طلاوته
طلاوة البدر ، بئس الحمق والغشم

صوتٌ تجمّل حتى بات أغنية
والصبّ يأسره صوت الهوى الرخم

والهاتف العذبُ أغوى قلب غادتنا
فصادها العاشقُ المستلئم البُرَم

لم تدخرْ جهدها ، تُوفي بما وعدتْ
تُزجي تحفظها ، والثوبُ محتشم

وقادها النذلُ للطوفان ، فانزلقتْ
في غفلة الأهل ، حتى طفتِ التهم

والهاتفُ الغِر مزهوٌ بنبرته
مِن بعد أن فتكتْ – بالغادة - الغمَم

فيه المفاتيحُ لم تبرحْ أماكنها
جبالُ قهر – على أرض العنا - رُزم

وشاشة الهاتف المحبور واجمة
يُزاحم الضوءَ فيها الحزنُ والطسَم

وأريل الهاتف المطعون مرتفعٌ
يُبدي تأسّفه ، كأنه العلم

خابت هواتف جدّتْ في ترهلنا
وخطبُ أخذتِها في جيلنا عمم

وحاسب الله مَن في غيهم سبحوا
ومَن تفوقهُمُ – في الحكمة - النعَم

أهكذا يُشكرُ المولى على نعم؟
وليس يَسقط من - بالله - يعتصم

إني لأعجب كيف الجهلُ أرجحنا؟
وكيف أحرقنا – في ناره – الجَحَم؟

وكيف ضاعت - بما نجنيه - هيبتنا؟
بئس الخنوعُ وبئس الهزلُ واللمم

كيف احتوانا الخنا في بئر حمأته؟
كأننا – في الحضيض – الرملُ والأكَم

وكيف زالت من الدنيا مناقبنا؟
واليوم سادتنا – في أرضنا - قزم

وكيف قسّمتِ الأعداءُ ضيعتنا؟
بئس التحكّم والأوضاعُ والقِسَم

بالأمس كان حمى الجوزاء مرتعَنا
فيها تشيد بنا الأفلاكُ والنجُم

وحقنا – من عيون الأسْد - نأخذه
ودارُنا لهدى القرآن تحتكم

وبالجهاد زكتْ فحوى عقيدتنا
وإن صفّ الهُدى بالحق يلتزم

فإنْ أبت منهج القرآن شرذمة
وحورب المنهجُ المستبصر اللقم

وقرّن الهدي في أصفاد مَن فجروا
فإنما السيف للباغي هو الحكم

شريعة لو رأى الأعدا حقيقتها
لطبقوها ، ففيها الخير يُغتنم

لكنما أهلها أخفوْا نصاعتها
نعوذ بالله مما تفتري العِمَم

كم طوّعوا الدين كي يُرضوا قياصرهم
وبات أمرُ الهدى – في الدار - يَحتدم

وإن فيلقهم – بالدين - مرتزقٌ
شبّوا على بيعه ، وفي الخنا هُزموا

وبالشريعة كم نالوا ، وكم أكلوا
وسوف يَشرَق في بطونهم خمم

ووازعُ الدين لم نشهد له أثراً
على الغفاة ، ومَن أغراهمُ النهم

وأغلبُ الناس – في أعراضهم - وقعوا
لأنهم لمعين النور قد كتموا

تعلموا الحق للدنيا فما نفعوا
لكنهم من وراء الحق كم غنموا

حتى غدتْ فتيات الجيل منهبة
فكل واحدةٍ لمن غوى طعَم

تنوّع الكيدُ: هذا قاد مهزلة
وتلك قد نصبتْ لرقصها الخِيَم

وذاك صاغ لعزف العُود أغنية
أمستْ يُجهزها الطبالُ والحُشُم

وتلك تشرحُ (ريجيماً) بأمثلةٍ
لمن على غِرةٍ أودى بها التخم

وتلك تفجُر ، لا دينٌ ولا خللٌ
وليس تعصمها – من غيّها - حِكَم

وأمة الحق – في الأهواء - غارقة
وحقها – بيد الأعداء - يُلتهم

تبارك اليوم مَن حاكوا مَهازلها
ليهنأ البغيُ والطاغوتُ والحشم

آلتْ على نفسها ألاّ تخالفهم
وبئس ما فعلتْ ، وبئسه قسَم

كم عذبتْ جيلها طفلاً ومَشيخة
وحطمتْ غِيلة مَن كان يحتلم

ويأكل الكفر ما حازت وما صنعتْ
ويأكل الفقرَ كم أبناؤها الأيُم

© 2024 - موقع الشعر