رسالة إلى ولدي! (أول رسالة أم لوحيدها) - أحمد علي سليمان

سلام عليك أيا موئلي
وتهنئة الحب يا منهلي

إليك أزف أريج المُني
وأهدي إليك سنا مشعلي

وأبذل روحي ، ولي غاية
أحبك في الله يا موئلي

ولست بآسفةٍ أنني
أغص بمكتوبي الأول

فإني أعاني فراق الفتى
وأحيا بقلب به مثقل

وما كنت أدري سعير النوى
لقد غاب عن دارنا بلبلي

وقد مزقتني صروف الجوى
وبات فؤادي كما المرجل

يفور - بداخله - ما ؤه
ويضحك خلف الثرى المسدل

فعدتُ بذاكرتي للورا
تذكرت حملاً برى أكحُلي

ويوم تكورت بين الحشا
وأثقلت جسمي ، وكنت الخلي

وعانيتُ في الحمل كل العنا
تمنيتُ أنيَ لم أحمل

كأن الجبال على هامتي
وكُرهاً حملتك يا معقلي

وطال على النفس هذا الشقا
ودمعي - على الخد - كالنوفل

حملتك تسعاً ، وكانت لظىً
وكانت أمرّ من الحنظل

وكم ذا تقيأتُ ما ذقتُه
وكم ذا تصلبتُ كالجندل

وكم ذا تجرعتُ نار الردى
وكم ذا سهرتُ ، ولا نوم لي

وفت الحشاشة مني الصدى
بُليت بعيش الأسى المُعضل

ذبلت ذبول ورود الهوى
وشجّ العذابُ سنا الكربل

وهبّت على القلب ريحُ الصبا
وودعتُ أحلام صبح جلي

وودعت أيضاً خيوط الكرى
وقد طال ليلي ، ولم ينجل

وصرت ربيبة مُرّ الأسى
ولمّا يعُدْ لي – بكربي - ولي

وساءلت نفسي ، وغيم الرؤى
عن الغيب ماذا يخبئ لي؟

صبيٌ هنالك ، أو غادة؟
أفاطمة - في القضا - أم علي؟

شقي - ببطني ، تُرى - أم تقيْ؟
وأعملت فكري ، ولم أكسل

وناجيت ربي بعذب الدعا
بأن يُتحف النفس بالأكمل

كمالُ الخليقة تقوى الذي
له الخلقُ والأمر ربي العلي

ومرّتْ شهوري ، وكلى رجا
بأن يتحقق لي مأملي

وجاء المخاضُ الذي رجّني
كسيفٍ رهيب المضا مقصل

تعسّرتُ ، حتى رجوتُ الردى
وعُذبتُ فيك ، ولم تسأل

ولمّا خرجت إلينا انتهى
عذابي ، وبتّ بقدر علي

تذكرتُ أمي وأحوالها
وكيف المعاناة في الأول؟

فقد كنت أول من أنجبتْ
ضجرتُ ، وأميَ لم تفعل

ولكنْ تقوّتْ بإيمانها
بليل عتيّ الدجى أليل

لذاك أجارَ الإلهُ التي اس
تعاذتْ به في الردى المُرسَل

لكِ اللهُ أمي ، وإني العَزا
لكِ اللهُ في اليسر والمعضل

بُنيَّ الحبيبَ ، وجئت لنا
كبرت ، وشرفت لي منزلي

مع الصحب تخرجُ مثل الصفا
وبعدُ تعودون كالأشبُل

لطيفٌ ، ظريفٌ ، كريم الصوى
وقد نيل منك ، ولم تجهل

وعُيّرت أنك ذو حاجةٍ
حلمت على الغِر ، لم تذهل

وإن نيل دينك كنت اللظى
يرد المظالم بالمُنصُل

ولمّا ترعرعت بين الورى
بذلتُ لك الخير ، لم أبخل

وجادت يميني على فارسي
وعطر حياتيَ حبي الجلي

فأعلمتُك الدين شرع الهُدَى
وجنبتُك الهزل من أرعل

وجنبتُك السوء في نشأةٍ
بعزلك عن صحبة العُذل

وأعلمتك الذكر نبعَ التقى
ودرب الهداية ذاك الجلى

وسُنة خير بني آدم
سلامٌ عليه من الأول

زرعت بقلبك حب الإبا
وبغض الجهالة والرذل

وأصلت فيك العلا والحيا
وحب الشهامة والأنبل

رأيتُ بعينيك حُسن الدنا
وحولتُ شأنك للأفضل

وجُعتُ لتشبع يا غايتي
وذا ديدنُ الأمّة الأرمل

كذاك استدنتُ ، ولم أدّخرْ
لأني علمت بأنك لي

لذاك أريدك سيف الهُدى
وأبيض دك حشا المِعذل

فإن الحنيفة في مأزق
وأسْد الحنيفة لم تنزل

إلى حلبة الطحن نحو الوغى
فكيف بما حل لم تُشغل؟

ولكنها شغلتْ بالخنا
وضاع الرجالات في الأهزل

وما هزها الكيد ، أو رجّها
فأنت الغضنفرُ ، يا موئلي

إذا ما طمحت إلى نصرها
ستنصر بالهَدي والأنصُل

فإني ادخرتك للملتقى
بمنزلنا الخالد الأول

وحتى أراك حداك المُنى
وبوركت من رجل مِكمَل

سَلامي إليك ، وكلي رجا
بأني أراك بخير جلي

© 2024 - موقع الشعر