أُنظُر إِلى المَجدِ كَيفَ يَنهَدِمُ - صفي الدين الحلي

أُنظُر إِلى المَجدِ كَيفَ يَنهَدِمُ
وَعُروَةِ المُلكِ كَيفَ تَنفَصِمُ

وَاِعجَب لِشُهبِ البُزاةِ كَيفَ غَدَت
تَسطو عَلَيها الحِداةُ وَالرَخَمُ

قَد كُنتُ أَختارُ أَن أُغَيَّب في ال
تُربِ وَتَبلى عِظامِيَ الرِمَمُ

وَلا أَرى اليَومَ مِن أَكابِرِنا
أُسداً وَفيها الذِئابُ قَد حَكَموا

ظَنّوا الوِلاياتِ أَن تَدومَ لَهُم
فَاِقتَطَعوا بِالبِلادِ وَاِقتَسَموا

وَاِقتَدَحوا بِالوَعيدِ نارَ وَغىً
وَرُبَّ نارٍ وُقودُها الكَلِمُ

لَم يَعلَموا أَيَّ جُذوَةٍ قَدحَوا
وَأَيَّ أَمرٍ إِلَيهِ قَد قَدِموا

بَل زَعَموا أَن يَصُدَّنا جَزَعٌ
كانَت يَدُ اللَهِ فَوقَ ما زَعَموا

لا عُرِفَ العِزُّ في مَنازِلِنا
وَأَنكَرَتنا الصَوارِمُ الخُذُمُ

إِن لَم نَقُدها شُعثاً مُضَمَّرَةً
تَذوبُ مِن نارِ حِقدِها اللُجُمُ

بِكُلِّ أَزرٍ في مَتنِهِ أُسُدٌ
وَكُلُّ طَودٍ مِن فَوقِهِ صَنَمُ

مِن فِتيَةٍ أَرخَصوا نُفوسَهُمُ
كَأَنَّهُم لِلحَياةِ قَد سَئِموا

إِن زَأَروا في الهِياجِ تَحسِبُهُم
أُسداً عَليها مِنَ القَنا أَجَمُ

شوسٌ تَظُنُّ العِدى سِهامَهُمُ
شُهُباً بِها المارِدونَ قَد رُجِموا

صَغيرُهُم لا يَعيبُهُ صِغَرٌ
وَشَيخُهُم لا يَشينُهُ هَرَمُ

فَفي القَضايا إِن حُكِّموا عَدَلوا
وَفي التَقاضي إِن حوكِموا ظُلِموا

إِن صَمَتوا كانَ صَمتُهُم أَدَباً
أَو نَطَقوا كانَ نُطقُهِم حِكَمُ

ما عُذرُنا وَالسُيوفُ قاطِعَةٌ
وَأَمرُنا في العِراقِ مُنتَظِمُ

وَحَولَنا مِن بَني عُمومَتِنا
كَتائِبٌ كَالغَمامِ تَزدَحِمُ

بِأَيِّ عَينٍ نَرى الأَنامَ وَقَد
تَحَكَّمَت في أُسودِنا الغَنَمُ

أَمّا مَماتٌ وَذِكرُنا حَسَنٌ
أَما حَياةٌ وَرَبعُنا حَرَمُ

لا شاعَ ذِكري بِنَظمِ قافِيَةٍ
تَلوحُ حُسناً كَأَنَّها عَلَمُ

وَلا اِهتَدَت فِكرَتي إِلى دُرَرٍ
يُشرِقُ مِن ضَوءِ نورِها الكَلِمُ

وَشَلَّ مِنّي يَدٌ عَوائِدُها
يَجولُ فيها الحُسامُ وَالقَلَمُ

إِن لَم أُخَضِّب مَلابِسي عَلَقاً
يُصبَغُ مِن سَيلِ قَطرِها القَدَمُ

وَآخِذُ الثَأرَ مِن عِداكَ وَلو
تَحَصَّنوا بِالحُصونِ وَاِعتَصَموا

في وَقعَةٍ تُسلَبُ العُقولُ بِها
وَأَنفُسُ الدارِعينَ تُختَرَمُ

إِن بِاشَرَتها أَقارِبي بِيَدٍ
يَوماً فَلي دونَهُم يَدٌ وَفَمُ

يا صاحِبَ الرُتبَةِ الَّتي نُكِصَت
مِن دونِ إِدراكِ شَأوِها الهِمَمُ

قَد كُنتَ لي ذابِلاً أَصولُ بِهِ
ما خِلتُهُ في الهِياجِ يَنحَطِمُ

ما كُنتُ أَخشى الزَمانَ حينَ غَدا
خَصمي لِعِلمي بِأَنَّكَ الحَكَمُ

كَفَفتَ عَنَّ كَفَّ الخُطوبِ فَمِن
بَعدِكَ أَمسى الزَمانُ يَنتَقِمُ

ما أَلبَسَتنا الأَيّامُ ثَوبَ عُلىً
إِلّا وَأَنتَ الطِرازُ وَالعَلَمُ

عَزَّ عَلى المَجدِ أَن تَزولَ وَأَن
تُخلِقَ تِلكَ الأَخلاقُ وَالشِيَمُ

تَبكي المَواضي وَطالَما ضَحِكَت
مِنكَ وَأَمسَت غُمودَها القِمَمُ

فَاليَومَ قَد أَصبَحَت صَوارِمُها
وَشَملُها في الهِياجِ مُنصَرِمُ

يُذكِرُني جودَكَ الغَمامُ إِذا
أَصبَحَ دَمعُ الغَمامِ يَنسَجِمُ

إِذ كُنتَ لي ديمَةً تَسُحُّ وَلا
يَنساكَ قَلبي ما سَحَّتِ الدِيَمُ

لا جَمَدَت أَدمُعي وَلا خَمَدَت
نارُ أَسىً في حَشايَ تَضطَرِمُ

وَكَيفَ يَرقا عَليكَ دَمعُ فَتىً
وَلَحمُهُ مِن ثَراكَ مُلتَحِمُ

© 2024 - موقع الشعر