غرفتي - محفوظ فرج

غرفتي
———
غرفتي
في الجدارِ السميكِ من اللِّبنِ
أنفاسُهُ تنتشي رئتي من شذاها
ولا علمَ لي ما هو السرُّ في كلِّ ذلك
ولذا لا يطيبُ لي النومُ إلّا بقربِه
بابُها يتَوَسَّطُها
وعلى جانحيها الأواوينُ
فارهةً تتناغى معي ببرودةِ
نسمةِ دجلة
أقولُ لها : أبي كانَ يعرفُ كيفَ
تَخَيَّرَ أطوالَ أقواسِكِ الباهية
تقولُ : ترابي من دجلةٍ وعجينَتُهُ
من زلالِ الضفاف
وإنَّكَ مثلي عجينةُ طينِكَ منها
وانتَ حبيبي لأنَّك مني
سريري محاذٍ إلى قوسِها الأيمن
وفي رَفِّهِ كتبي حينَ ينتابُني الحزنُ
أصمتُ
يبقى يسامرُها وتسامرُهُ
في ليالي الشتاء
مَرَّةً ينبري البحتريُّ بديوانِهِ
ويباغتُهُ بالقصائد
يقرأ بعضَ مدائحِهِ لابنِ خاقان
تهتزُّ طينةُ رفِّي تقولُ له :
أنا كنتُ طاس الفخار الذي تشرب الماء منه ويذهبُ فيكَ الخيالُ بعيداً
مَرَّةً يتصدّى بزاويةٍ يتحدَّثُ فيها
(المبرِّد) عن كاملِه
ويبرزُ في السقفِ قشرٌ من الطينِ منفطراً
يقولُ : أيا ابن يزيد لقد كنتُ دَكَّتَكَ العالية
كنتَ تجلسُ فوقي وتلقي دروسَك
في النحوِ كلَّ صباح
غرفتي عُمقُها أرفُفٌ
كلُّ أعتابِها تَتَحَدَّثُ
بالحبِّ والألفةِ
عن يساري ابي
نائمٌ وعلى الرفِّ مِذْياعُهُ
في الصباحِ يدوِّرُ مفتاحَهُ
فَتُغَني لواجهةِ البابِ فيروز
قد ( أزهرَ النرجسُ )
فيندهشُ الركنُ في البابِ
تأخذُهُ نشوةٌ غيرَ مألوفةٍ
يقولُ سمعنا
عُرَيبَ
دنانيرَ
شاريةً
ولكنّنا ما ألِفنا كهذا الغناء
أقولُ لهُ : تلكَ من أرضِ لبنان
يقولُ بأنَّ الكلامَ يجودُ بأمثالِهِ
ابنُ وهبٍ
وصوليُّ
وابن حُمَيد سعيد
ولكنَّ ألحانَهُ ما سمِعْنا بها
غرفتي بابُها في مقابل
نخلتنا مباركةٌ
وتمرُّ السنينُ وتمضي
أماميَ ماثلةٌ تَتَغَطّى سمائي بخضرَتِها
مثلَ خيمة
مرة أشعرتني
بجمّارِها ناطقاً يتحدَّثُ لي
تقولُ : أنا لكَ حصنٌ حصينٌ
أنا من يجابهُ شمسَ الظهيرةِ يَمنَعُها
أنْ تَتَقَدَّمَ زاحفةً نحوً رَفِّك
أنا لكَ مصفاةُ
إمّا غَزَتْ في فناءِ الهواء عوارضُ أوبئةٍ
يتراصفُ سعفي حفاظاً عليكَ لإجهاضِها
النسائمُ قبلَ الوصولِ إليكَ
أبَرِّدُها من هجيرِ الطريقِ التي قَطَعَتْها
ألَطِّفُها من نسائمِ روحي
لتعبرَ نحوكَ
وإن أنضجَ الصيفُ أعذاقيَ المثقلاتِ
امتع سمعَكَ ناظرَكَ الصبحَ
في جوقةٍ للبلابلٍ وهي تغرِّدُ
تنقرُ نشوانةً بالثمار
 
د. محفوظ فرج
٣١ / ٨ / ٢٠٢٠م
١٢ / محرم / ١٤٤٢ه
© 2024 - موقع الشعر