شرفات ليلى - حسن إبراهيم الحسن

باب و نافذة
 
بابٌ و نافِذةٌ
 
و كلُّ الأرضِ دونهما مَنَافِ
 
و الروحُ حولهما حمامٌ لا يريدُ منَ الطوافِ
 
سِوى الطوافِ
 
و ضِحكةِ امرأةٍ تذُرُّ الدفءَ في القلبِ الفقيرِ
 
و للعصافيرِ الشريدةِ في دمي قمحَ الكفافِ
 
بابٌ و نافذةٌ
 
أمامهما أنا
 
مدٌّ و جزرٌ
 
ثمَّ مدٌّ
 
ثمَّ جزرٌ
 
ثمَّ يصعدُ في دمي زَبَدُ القوافي
 
* * * *
 
شرفة الانتظار
 
كنتُ انتظرتُكِ في المساءِ
 
كأيِّ بحَّارٍ عتيقٍ شاخصٍ في البحرِ
 
يصطادُ الأغاني
 
و الزجاجاتِ التي تطفو على زبدِ الشواطئِ
 
علَّها حمَلَتْ بريداً ،
 
و انتظرتُكِ ...
 
مثلَ ( شحَّاذٍ ) على ( الكورنيشِ )
 
يستجدي التحيَّةَ و السجائِرَ ،
 
و انتظرتُكِ ...
 
لم أقُلْ إنَّي مَلَلْتُ ،
 
و لم أفكِّرْ في اعتذاركِ ،
 
قلتُ تكفيني التحيَّةُ ، بل
 
سيكفيني عبورُكِ مثلَ غيمِ الصيفِ في حلمي
 
انتظرتُكِ ...
 
لم يكُنْ يوماً طويلاً أو قصيراً ،
 
غيرَ أنَّ الوقتَ غادرني على مَهَلٍ
 
على مَهَلٍ
 
فنمتُ كأيِّ مقهىً في المساءِ يوَدِّعُ العشَّاقَ
 
ثمَّ يَغُطُّ في أحزانهِ
 
كنتُ انتظرتُكِ ...
 
قلتُ أختَبِرُ القصيدةَ بانتظارِكِ ،
 
قدْ يساعدني شرودي في اختصارِ الوقتِ /
 
لكنّي انتَبَهتُ إلى ارتباكِ الحرفِ في لغتي ،
 
انتبَهتُ إلى المكانِ يوَدِّعُ العشاقَ ،
 
و انتبهَ المكانُ إلى غيابكِ ....
 
و انتظرتُكِ ...
 
لم أقُلْ إنَّي مَلَلْتُ ،
 
و لم أفكِّرْ في اعتذاركِ ،
 
و انتظرتُكِ ...
 
و انتظرتُكِ ...
 
و انتظرتُك ...
 
* * * *
 
شرفة كانون
 
في الليلِ ،
 
- في الركنِ القصيِّ منَ التأمُّلِ -
 
أرقبُ الأيامَ عن بعدٍ
 
و أحصي ما تبعثرَ من رفاقي في بلادِ اللهِ
 
أذكرهم
 
و أنصتُ لانهمارِ العمرِ في كانونَ كالثلجِ الحزينِ يُشيِّعُ العامَ العجوزَ ،
 
و يحتفي - مثلي - بزهرٍ يابسٍ بينَ الرسائلِ
 
كانَ يحملهُ السُعَاةُ من الشمالِ ،
 
و كنتُ أنكِرُ آنَ ذاكَ بأنَّ لي جهةً تشدُّ القلبَ ،
 
لكنَّ الحنينَ وِشايةٌ كالعطرِ تفضحُ لفتَةَ الروحِ الخجولةَ كلَّما ذُكِرَ الشمالُ
 
و مالَ بي القلبُ الجموحُ ( كزهرةِ العبَّادِ )
 
نحوَ نوافذٍ أكلتْ ملامحَها الطحالبُ /
 
أذرُعُ ( اللبلابِ ) و الصدأُ العنيدُ ...
 
كأيِّ طفلٍ أحتفي بالثلجِ في كانونَ ، أنتظرُ الصباحَ لأرشُقَ الشرفاتِ و القِططَ الكسولةَ قربَ بابكِ
 
- بابكِ المنسيِّ -
 
أرمقهُ و أصغي لانهمارِ الثلجِ في روحي الغريبةِ :
 
ربَّما ابتعدتْ نوافِذنا كثيراً /
 
أو ملامحُنا قليلاً عن طفولتها
 
و لكنْ لم يزلْ كانونُ طفلاً
 
مثلَ عادتهِ يجيدُ الثلجَ /
 
يرشقنا فتصحو في قساوتنا الطفولةُ /
 
لم يزلْ ...
 
و أنا كطفلٍ لم أزلْ أهوى التسكُّعَ ...
 
أينما اتجهتْ خُطايَ تُظِلُّني شُرُفاتُ بيتكِ
 
و الجهاتُ الخمسُ تتبعني كظلّي :
 
 في الجنوبِ الأصدقاءُ الخائنونَ يُلَفِّقونَ وشايةً عنا /
 
 الشمالُ بريدكِ السريُّ يهطلُ في المساءِ من النوافِذِ /
 
 لا أحبُّ الشرقَ ؛ يَحجبكِ الصباحُ كنجمةٍ /
 
 غربٌ لأفتَتِحَ القصيدةَ في هبوبِ الذكرياتِ /
 
 و قِبلةٌ للحزنِ أنتِ
 
* * * *
 
شرفة الناي
 
أنا لا أحبُّ النايَ يَكسِرني كصوتكِ .
 
سروةُ الليلِ العجوزُ تَسدُّ نافِذةً بقلبي
 
ثمَّ ينقرها الحمامُ -حمامُ صوتكِ -
 
لا أحبُّ النايَ
 
نافذةٌ فقطْ
 
تكفي لينتشرَ الصباحُ على رسائلنا فتصحو ،
 
لم نكُنْ غرباءَ جدَّاً .. إنَّما
 
للحبِّ منفاهُ الجميلُ
 
و مهنةُ الناياتِ أدمعنا
 
أحبُّكِ ،
 
كم أحبُّ النايَ / صوتَكِ
 
من شقوقِ الليلِ يأتي ثمَّ يُشرِعُ في جِدارِ الحلمِ
 
نافذةً على أعشابهِا ريحُ الأصابعِ حينَ تنقرُ باتِّئادٍ
 
قمحَ موعِدنا الشحيح ...
 
* * * *
© 2024 - موقع الشعر