أوردة الباب المغلق - أحمد بشير العيلة

منفيٌّ
 
حيث تُقَشَّرُ عن جلدك رائحةُ الأرض
 
وتبتلُّ ملابسُك بماءٍ مالح
 
ما أعمقَ حزنك
 
أصبحتَ نخيلاً مهجوراً من سعف الرؤيا
 
صارت دنياك جداراً تتسلّقه
 
لا تملكُ إلاَّ أن تزعقَ للماضي
 
والحاضر
 
أما المستقبل
 
فقبورٌ لن تبعثَ منها حيّا
 
لا تملكُ إلاَّ
 
أن تصرخ كفُّك بشعاراتٍ
 
تكتبها حتى المللِ .
 
...
 
منفيُّ
 
جَرُّوكَ من الخارطة بسفن الرفض
 
فارتبكَ سلاحُك
 
وانْهَارَ رصاصاً فوق البحر
 
اخترقَتْ كُوفِيَتَكَ الطلقات
 
نَزَفَ الطينُ طويلاً منها بين يديّ البحر
 
شَكَّلَهُ جُزُراً أحياناً
 
وأحياناً " قُوبَاءَ " على جلدك
 
فسماؤك ذَبُلَتْ
 
أرختْ زرقتَها بجمودٍ فوقك
 
فتهدَّلَ نهدُ الشمسِ
 
بليداً
 
كالحرباء .
 
...
 
ما أصعب أن يصبح ضوءُ العالَم
 
جِلْدَ عجوز ٍمُتَرَهِّل
 
لا تنفذُ منه الآمال
 
ما أصعب أن تنكشط رؤاكَ بسكين ٍ حاد
 
ليعروك أمام الناس
 
فَتُقْصَفُ بلداً ... بلداً
 
قلباً ... قلباً
 
وطموحك
 
محفوظٌ في صندوق زجاجٍ قرب سريرك
 
تستيقظ كل صباحٍ محدوداً
 
والشلل التام
 
رغيفٌ أسود
 
تأكله رغماً عنك
 
لا بأس
 
جدران الغرفة لا زالت
 
تحفظ خارطةً لبلادك
 
علماً منفرشاً
 
وبعض الصور الرطبة
 
لا تتضايق من نفسك
 
انزعْ كفيّك وعلِّقْها
 
في أقرب مسمارٍ كوفيةَ مُنْهَك
 
لترتاح من التلويح
 
لبلادٍ لم ترها .
 
...
 
منفيٌّ
 
والمنفى أرضٌ لصراعك مع مجهول
 
يا صاح
 
كَفَّايَ ضباب
 
محراثٌ في أرضٍ صلبة
 
عصفورٌ مقطوعُ الرأس
 
المنفى خنجر
 
فاربطْ كفّيك وراء الظَّهْر
 
لتثيرَ العالمَ بظهورك
 
مرسوماً في كل صباحٍ في الصحف اليومية
 
افتحْ لوحاتِك بالقوّة
 
ألصقْها فوق الصدر
 
فصدري : معرضُكَ الخافقُ بالشوق
 
والمتجوّل أبداً بالأشعار
 
الواقيةِ من الطعن .
 
...
 
عيناكَ حصاد
 
يستوعبُ كلَّ حقول العالم
 
ويوقِّعها
 
أعلى كلِّ قصيدة .
 
...
 
شعورك صعبٌ أن يُعْلَن
 
عَلِّقْهُ كمفتاحٍ في رقبتكَ لبابٍ مجهول
 
صَدِّقْنِي
 
أخشى أن يصدأ
 
فتظلُّ حياتُكَ مُوصدة القلب
 
آهٍ لبيوتٍ لم تُفْتَحْ بعد رحيل
 
الأقفالُ عتيقة
 
تتورّم صدأً
 
ونحن هنا
 
نتورّم غربة .
 
...
 
مسكينٌ باب الدار
 
يلحسهُ البردُ صباحَ مساء
 
هَزُلَ المسكين
 
وقفَ كثيراً ينتظرُ الآتين بلا جدوى
 
وتراخى على عكاز الزمن القاسي
 
وهو يراقب وطناً يُبْنىَ داخل قلبي
 
من بذرة عشق
 
وطناً يُبني بدموع الشوق
 
قد طالَ رحيلُك أزماناً
 
والباب على العكاز انهار
 
ارحمهُ
 
أطلقْ كوفياتِك نحوه
 
مسكينٌ باب الدار
 
لم يسمعْ دقاتِ القلب المتواصل نحوه
 
جَفَّتْ أوردته
 
تجعّد
 
نخرتْهُ السوسةُ
 
فانْهار .
 
...
 
يا بابَ الدار
 
يا ذا المصنوع – بعشق ٍ–
 
من لحم الأهل
 
وشوق الأهل
 
ودقات أيادي الأطفال
 
أفتحْ
 
لننام .
 
___________
 
10 / 5 / 1992
© 2024 - موقع الشعر