وصية محتضر - أحمد علي سليمان

إني عفوتُ ، فما عليك مَلامُ
لكنْ عليك - إذا استطعت - صيامُ

ووصيتي - في الوارثين - بثثتها
وجميعُ مَن حضروا الوَصاة كِرام

أشهدتهم أني عفوت ليصفحوا
ولكي تسودَ مَحبة ووئام

لمّا رأيتُ الموت يسكنُ غرفتي
والموتُ حقٌ ثابتٌ ولِزام

أيقنتُ أنيَ راحلٌ ومُودّعٌ
بقِيتْ أمامي - في الدنا - أيام

وأنا الذي ذنبي تسنمَ هامتي
وتُحيط بي الأوزارُ والآثام

فأبيتُ - مِن وخز الذنوب - مسربلاً
تطغى الذنوبُ عليّ والأوهام

إذ إنني أسرفتُ أيام الصِبا
ما للشباب - على الضياع – دوام

وركبتُ أهوائي ، فذقتُ شقاوتي
واقتادني - نحو الضلال - طغام

وأتيتُ أبواب الحرام مُرحِباً
والنفسُ تعلمُ أن ذاك حرام

وأصبتُ مِن أعتى الكبائر هازلاً
ما ردّني خلقٌ ولا إسلام

وغشيتُ من أخزى الفواحش مُؤْثراً
حبَ الهوى ، إن الهوى هدّام

وأفقتُ ، لكنْ بعد موت عزيمتي
ما المرءُ إن شطت به الأفهام؟

والصحبُ جاؤوا ينكرون إفاقتي
مِن بعد مازلت بيَ الأقدام

خابوا ، لقد أفلستُ يومَ أطعتهم
وخسرتُ ، إذ أودى بيّ استذمام

ما ضرّني لو أنني فارقتهم
وسلكتُ درباً ليس فيه لِئام

قيلَ: انتبهْ ، وذر الأراذل والغثا
وامهدْ لنفسك ، سوف يأتي السام

ودَع الحثالة ، والتمسْ دربَ الهدى
إن التمسك بالغثا إجرام

لن ينفعوك لأنهم همجُ الورى
وهمُ لكل رذيلةٍ خدام

لكنني غلبتُ أهوائي ، لذا
طاشت مَوازيني ، وحلّ ظلام

وحلا ليَ الغيّ الذي هو مُوبقٌ
جداً ، وبين العِير طاب مَقام

ثم اهتديتُ وعدتُ أنشدُ صَحوتي
وهجرتُ قوماً - في الفضائح - هاموا

وظللتُ أعواماً تسيلُ مَدامعي
ندماً ، فطالت هذه الأعوام

واليوم جاء الموتُ يُعلنُ أنه
عمّا قليل ينتهي عزام

ليضمّه قبرٌ ككل مُجندَل
ولكم تضم جنادلٌ ورجام

لا شيء مثل الموت يَهدمُ لذة
والمرءُ حتماً يجتنيه حِمام

عمِّرْ ، ويوماً سوف يَحصدُك الردى
لا ينفعُ الإدبارُ والإحجام

هذي الحياة إلى زوال ، فالتمسْ
خيرَ الرشاد ، وإنْ قلتْك فئام

أنا راحلٌ ، فاذهبْ لأهلك والنسا
ولهم مِن الرجُل المُصاب سلام

© 2024 - موقع الشعر