بكائية عَلَى قَبرِ صَدِيقِي إِبْرَاهِيم الكَامِل - عبد الله جعفر محمد

دَمْعَةٌ أُولَى
الحُزْنُ عرْبِدَ فِي بُيُوتِ الطِّينِ
حَتَّى غَابَتْ الأَقْمَارُ وَالسَّمَّارُ وَالأَفْرَاحُ
مِنْ حُزْنٍ وَغَادَرَهَا الضِّيَاء
يَا صَاحِبِي
ارْفقْ يَخْطُوكَ واتئد فِي السَّعْيِ
مَا بَيِن المَآذِنِ وَالمَقَابِرِ
ثُمَّ طُفْ بِالحَيِّ وَاُسْكُبْ
فَوْقَ ذيّاك الضَّرِيحَ سَحَابَتَانِ مِنْ البُكَاء
وَأَسْأَلْ عنِ إِبْرَاهِيمَ
مَا بَيْنَ اِنْحِنَاءِ النَّيْلِ
وَالعِطْرِ المُوَزّعِ فِي المَدَارَاتِ المُضِيئَةِ
حِينَ تَأْتَلِقُ المَآذِنُ بِالنِّدَاءِ
يَا صَاحِبِي
وَاُكْتُبْ عَلَى وَجَعِ الدَّفَاتِرِ
عَنْ هَدِيرِ الدَّمْعِ فِي أرجِ الضَّرِيحِ
وَمَا حَفِظْتَ مِنْ التواشيحِ المُقَدَّسَةِ الغِنَاءِ
فَالحُزْنُ جَاءَ
وَعَادَ إِبْرَاهِيمُ لِلأَرْضِ الَّتِي
لَا زَالَ يَحْرُسُ جَوْفَهَا الصلاّحُ
بِالقُرْآنِ وَالحَرْفِ السَّمَاوِيِّ البَهَاء
...................
 
دَمْعَةٌ ثانية
تَعِبٌ أَنَا وَاللَّيْلُ مَسجّىٌ
عَلَى ذِكْرَى الحِكَايَاتِ الَّتِي كَانَتْ
. وَذَاكِرَتِي فُتَات
أَلْقَيْتُ رُوحِي والقَصِيدَ عَلَي
الوِسَادَات الَّتِي سَئِمَتْ مُضَاجَعَة النَّحِيبِ
وَلَمْ أَكُنْ أَدْرِي بِأَنَّ الوَقْتَ فَات!
قَالَتْ بَقَايَا الوَقْتِ:
أَنَّ الوَقْتَ فَات!
فالراحلون إِلَى المراثي
قَدْ مُضُوا صُبِّحَا لِإِبْرَاهِيمَ
وَحَدكَ مَنْ بَقِيَت
وَبَعْض مَنْ ضَلُّوا الطَّرِيق إلى السُكات
فَالقَوْلُ لَا يُجْدِي
وَهَذَا الحَزَنُ أَكْبَرُ مِنْ حُرُوفِ الشَّعْرِ
فَاِرْحَلْ مَا اسْتَطَعْت إِلَى جَحِيمِ الصَّمْتِ
قَدْ وَلّى زَمَانُ الأُغْنِيَّات
وَأَكْتُبْ عَن اليُتمِ المُبَكِّرِ لِلحُرُوفِ
عَن الَّذِي مَا عَادَ يُكْتبُ
مذ تَوَلّي الحُزْنُ نَاصِيةَ الكِتَابَةِ
وَاِسْتَعَادَ الكَوْنُ بَعْضًا مِنْ حَزِينِ الذِّكْرَيَات
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا
ومضَ حَرفٍ مِنْ بُرُوقِ الشَّعْرِ
بَعْضٌ مِنْ دُمُوعِ النَّاسِ
فِيضٌ مِنْ رَحِيقِ الضَّوْءِ
كُلٌّ مِنْ جَمِيلِ الأُمْنِيَّات
..........
 
دَمْعَةٌ ثَالِثَة
كَانَ إِبْرَاهِيمُ مِثل البَحْرِ
يُعْطِي كُلّ مَا يَحْتَاجُهُ الأَحْبَابُ
مِنْ فَرَحٍ وَيمْضِي مِثْلَ خَيْطَ الضَّوْءِ
نَحْوَ العَابِرِينَ مِن القُلُوبِ إِلَى القَمر
كَانَ نَيْلِي المَلَامِحَ والحكايا
كَانَ يَضْحَكُ حِينَ يَكْتُبُ
ثُمَّ يمضَى يَرْسُمُ الأَحْلَامَ
حَتَّى تَضْحَكَ الأَيَّامُ مِنْ طَرَبٍ
وَتَبْتَلُّ الشواطيء بِالمَطَر
كَانَ شَيْئًا
كَاِبْتِسَامِ النَّاسِ فِي وَجْهِ القَدْر
..................
 
دَمْعَةٌ رَابِعَة
دُر أَيُّهَا الدَّرْوِيشُ
وَأَمْدِدْ حَرْفَكَ النوريّ مِسْبَحَة
وَعْد بِالوَقْتِ عِنْدَ القَلْبِ
وَاُسْكُبْ مَا حَفِظَتَ مِنْ الدُّمُوعِ
عَلَى الدَّفَاتِرِ وَالضَّرِيح
هَذَا مَقَامُ الحُزْنِ
فَأَرْحَل مَا اِسْتَطَعْتَ إِلَى المَقَامَاتِ الوضيئةِ
رُبَّمَا تَعْلُو لِتَشْهَدَ
كَيْفَ إِبْرَاهِيمُ غَادَرَ
مِثْلَ دفَقَ الطلّ في البحرِ الفَسِيح
وَكَيْفَ نَامَ الضَّوْءُ
فِي حضْنِ البَهَاءِ العَذْبِ
حِينَ أَطلَ إِبْرَاهِيمُ فِي المَسْعَى
وَغَادرَ مِنْ سُجُودِ الفَجْرِ لِلضَّوْءِ المُرِيح
.......
 
دَمْعَةٌ خاتمة
يَا مُقِيم العَدْل
نَشْهَدُ أَنَّهُ إِبْرَاهِيمُ
عَدْلٌ حِين يَحْكِي
مُسْرِفٌ فِي الوُدِ
صُوفِيّ الفُصُول
كَانَ مِثْلُ البَرْقِ
يُومِضُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيّ
وَبِالنَّقَاءِ وَبِالصَّفَاءِ
وَبِالَّذِي تُعْطِيه مَنْ أَحْبَبْتَ فِي وَقْتِ الأُفُول
فَأَرْحَم بِفَضلِكَ
بَعْضُ فَضْلِكَ
سَوْفَ يَكْفِي
كِي تُرَجِّحَ كفَّةُ إِبْرَاهِيمَ مِيزَانَ القُبُول
© 2024 - موقع الشعر