لانتظار المطر - محمد الاسدي

للعصافيرِ قرب المدينةِ لون الرمادْ
 
والهدوء بها لم يعد فيه معنى
 
فكيف سأكتب شعراً
 
رقيقا كما الماءِ
 
رخوا كشعر الجيادْ ؟!
 
للعصافير قرب المدينة لون الرمادْ
 
ولها في الخمائل صوت جميل
 
ولحن أصيلْ
 
إنّها هاجرتْ
 
لا لتبحث عن نسمةٍ .. وأشعة شمسٍ
 
وشيء من الماء في ساقيةْ
 
ولكن لتبحث بين الركام الكبير من الناسِ
 
عن أُذنٍ واعيةْ
 
وهي من ذلك الحين ما عششتْ في بلادْ
 
للعصافير قرب المدينة لون الرمادْ
 
ولها قمر ٌ
 
تتوخّى بأن تلتقي كلّ ليل بهِ
 
غير أن الغيوم الدخانيّة اللونِ
 
قد شطبتْ شكل خدّيهِ
 
واقترحتْ قمراً ثانياً من نحاسٍ
 
يطلُّ بلا كلفة أو معادْ
 
للعصافير قرب المدينة لون الرمادْ
 
والربيع الذي في عباءتهِ
 
أثر العشب والورد والأقحوانْ
 
مرّ بالأمس متشحاً بالدخانْ
 
فودّعنا من بعيد وعادْ
 
للعصافير قرب المدينة لون الرمادْ
 
فكيف سأكتب شعراً
 
وقيثارة القلبِ
 
تدمن في كلّ صبح موسيقا الحفيفِ
 
فأصبحتُ لستُ أفرّق
 
بين .. تنشّق شكل الطبيعةِ فجراً
 
وبين تنفّس رائحة المدنِ
 
المستحمةِ باللوثِ
 
إن زجاج نواظرنا
 
أرمد ٌ بالدخانِ
 
وأكؤس أرواحنا
 
اتّسختْ بالضغائنِ
 
والخبثِ
 
كيف يمرّ على قلبك المتوسّد بالعشبِ
 
فصل الخريفِ
 
أيّها الياسمينيُّ
 
إنّ الدخان مضرّ بثوبكَ
 
والعري أوضح للحبّ
 
فاغسل بماءٍ من العشقِ
 
جوف الفؤادْ
 
وكيف سأكتب شعرا ؟!
 
وأطفال أحلاميَ البيضُ
 
قد وئدوا دون ذنبِ
 
لا لشيء سوى أنّهم سمعوا منكَ
 
أوّل قصّة حبِّ
 
وشيئاً عن الملتقى والبعادْ
 
وكيف سأكتب شعرا ؟!
 
وقارورة الليلِ حين عصرت بها
 
من دموعي وفكري ووجدي
 
استدارت عليها يدٌ
 
لا تفرّق بين احتراقي بودّ
 
وبين احتراقي بحقدِ
 
وكيف سأكتبُ..؟!
 
إنّ معاني الجمالِ تداعتْ
 
كألوان قوس قزحْ
 
إذا هبط الليلُ
 
مثلكَ يشرب للسكرِ
 
فاملأ بشيء من الشعرِ روح القدحْ
 
أيا ربّ أرسل رياحا
 
تثير سحابا
 
وتغسل أوزارنا بالمطرْ
 
لعلّيَ أكتب شعراً رقيقاً كما الماءِ
 
حلوا ، بريئاً ،كوجه القمرْ
 
 
 
دمشق _ 2001م
© 2024 - موقع الشعر