ذِكرُ الصِبا وَمَراتِعِ الآرامِ - أبو الطيب المتنبي

ذِكرُ الصِبا وَمَراتِعِ الآرامِ "
" جَلَبَت حِمامي قَبلَ وَقتِ حِمامي

دِمَنٌ تَكاثَرَتِ الهُمومُ عَلَيَّ في "
" عَرَصاتِها كَتَكاثُرِ اللُوّامِ

فَكَأَنَّ كُلَّ سَحابَةٍ وَكَفَت بِها "
" تَبكي بِعَينَي عُروَةَ بنِ حِزامِ

وَلَطالَما أَفنَيتُ ريقَ كَعابِها "
" فيها وَأَفنَت بِالعِتابِ كَلامي

قَد كُنتَ تَهزَءُ بِالفِراقِ مَجانَةً "
" وَتَجُرُّ ذَيلَيْ شِرَّةٍ وَعُرامِ

لَيسَ القِبابُ عَلى الرِكابِ وَإِنَّما "
" هُنَّ الحَياةُ تَرَحَّلَت بِسَلامِ

لَيتَ الَّذي خَلَقَ النَوى جَعَلَ الحَصى "
" لِخِفافِهِنَّ مَفاصِلي وَعِظامي

مُتَلاحِظَينِ نَسُحُّ ماءَ شُؤونِنا "
" حَذَرًا مِنَ الرُقَباءِ في الأَكمامِ

أَرواحُنا اِنهَمَلَت وَعِشنا بَعدَها "
" مِن بَعدِ ما قَطَرَت عَلى الأَقدامِ

لَو كُنَّ يَومَ جَرَينَ كُنَّ كَصَبرِنا "
" عِندَ الرَحيلِ لَكُنَّ غَيرَ سِجامِ

لَم يَترُكوا لي صاحِبًا إِلا الأَسى "
" وَذَميلَ دِعبِلَةٍ كَفَحلِ نَعامِ

وَتَعَذُّرُ الأَحرارِ صَيَّرَ ظَهرَها "
" إِلا إِلَيكَ عَلَيَّ فَرجَ حَرامِ

أَنتَ الغَريبَةُ في زَمانٍ أَهلُهُ "
" وُلِدَت مَكارِمُهُمْ لِغَيرِ تَمامِ

أَكثَرتَ مِن بَذلِ النَوالِ وَلَم تَزَلْ "
" عَلَمًا عَلى الإِفضالِ وَالإِنعامِ

صَغَّرتَ كُلَّ كَبيرَةٍ وَكَبُرتَ عَن "
" لَكَأَنَّهُ وَعَدَدتَ سِنَّ غُلامِ

وَرَفَلتَ في حُلَلِ الثَناءِ وَإِنَّما "
" عَدَمُ الثَناءِ نِهايَةُ الإِعدامِ

عَيبٌ عَلَيكَ تُرى بِسَيفٍ في الوَغى "
" ما يَصنَعُ الصَمصامُ بِالصَمصامِ

إِن كانَ مِثلُكَ كانَ أَو هُوَ كائِنٌ "
" فَبَرِئتُ حينَئذٍ مِنَ الإِسلامِ

مَلِكٌ زُهَت بِمَكانِهِ أَيّامُهُ "
" حَتّى اِفتَخَرنَ بِهِ عَلى الأَيّامِ

وَتَخالُهُ سَلَبَ الوَرى أَحلامَهُمْ "
" مِن حِلمِهِ فَهُمُ بِلا أَحلامِ

وَإِذا اِمتَحَنتَ تَكَشَّفَت عَزَماتُهُ "
" عَن أَوحَدِيِّ النَقضِ وَالإِبرامِ

وَإِذا سَأَلتَ بَنانَهُ عَن نَيلِهِ "
" لَم يَرضَ بِالدُنيا قَضاءَ ذِمامِ

مَهلًا أَلا لِلَّهِ ما صَنَعَ القَنا "
" في عَمرِو حابِ وَضَبَّةَ الأَغتامِ

لَمّا تُحَكَّمَتِ الأَسِنَّةُ فيهِمْ "
" جارَت وَهُنَّ يَجُرنَ في الأَحكامِ

فَتَرَكتَهُمْ خَلَلَ البُيوتِ كَأَنَّما "
" غَضِبَت رُؤوسُهُمُ عَلى الأَجسامِ

أَحجارُ ناسٍ فَوقَ أَرضٍ مِن دَمٍ "
" وَنُجومُ بَيضٍ في سَماءِ قَتامِ

وَذِراعُ كُلِّ أَبي فُلانٍ كُنيَةً "
" حالَت فَصاحِبُها أَبو الأَيتامِ

عَهدي بِمَعرَكَةِ الأَميرِ وَخَيلُهُ "
" في النَقعِ مُحجِمَةٌ عَنِ الإِحجامِ

يا سَيفَ دَولَةِ هاشِمٍ مَن رامَ أَن "
" يَلقى مَنالَكَ رامَ غَيرَ مَرامِ

صَلّى الإِلَهُ عَلَيكَ غَيرَ مُوَدَّعٍ "
" وَسَقى ثَرى أَبَوَيكَ صَوبَ غَمامِ

وَكَساكَ ثَوبَ مَهابَةٍ مِن عِندِهِ "
" وَأَراكَ وَجهَ شَقيقِكَ القَمقامِ

فَلَقَد رَمى بَلَدَ العَدُوِّ بِنَفسِهِ "
" في رَوقِ أَرعَنَ كَالغِطَمِّ لُهامِ

قَومٌ تَفَرَّسَتِ المَنايا فيكُمُ "
" فَرَأَت لَكُم في الحَربِ صَبرَ كِرامِ

تَاللَهِ ما عَلِمَ اِمرُؤٌ لَولاكُمُ "
" كَيفَ السَخاءُ وَكَيفَ ضَربَ الهامِ

© 2024 - موقع الشعر