طــــــواف الـمُغَـنِّـــــــــي - حبيب الزيودي

على أي جنب ينام المغني
 
وقد ذبل الورد في المزهرياتِ,
 
وانكسر العود بين يديه,
 
على أي جنب ينام?
 
وليست صباحاته فضة...
 
وليست مساءاته من رخَام
 
وكيف ينام?
 
وهذا السناج, يغطي السراج
 
وهذا الظلام
 
يغبّر أحداقه بالرماد
 
ففُكّي يديه من القيد فكي اللجام
 
فها هو يحمل أقماره ويطوفْ..
 
ويهتف بين المضارب: دقوا الدفوفْ
 
ليعرف هذي المدينهْ
 
وبعد ثلاثين أغنية, وثمانين صيفاً, وألف خريف
 
ستعرف أبوابُها وشوارعها
 
شارع شارع
 
ورصيف رصيف
 
بأن القصائد ما خذلت دمها عندما خذلتها السيوف
 
(2)
 
لنا كوخ أحلامنا
 
ونغني لكي لا ينشِّب خيطانه العنكبوت
 
على بابه فاسمعينا
 
فنحن الذين نمزق ثوب السكوت
 
أشار إلى الزاد..
 
قلت إذا كان يعوي بأضلاعي الذئب جوعاً..
 
سأقتله قبل أن يصبح الذئب قطاً أكولاً شروباً صموت
 
لنا حزننا فاسمعينا
 
ولا تنكرينا
 
فإن البلاد التي تنكر الشعراء تموت
 
(3)
 
لماذا تعاتبني هذه الأرض
 
لو أستطيع نثرتُ النجوم على ثوبها
 
وعلّقت في كل واد قمر
 
لماذا تطالبني أن أغني وأحلم
 
ماذا يظل من الحلم
 
حين يمد اللصوص بنادقهم
 
فتبعثر ريش العصافير بين غصون الشجر
 
(4)
 
ولا يعرف القلب شيئاً
 
متى ينطفي ومتى يستريح?
 
ويمشي على الرمل,
 
والرمل يحرقه,
 
والحبيبة أبعد من نجمة, والزمان شحيح
 
ويعرف أن الزمان صليبٌ..
 
وأني المسيح
 
ويعرف أن أمامي ضريحاًوخلفي ضريح
 
(5)
 
كأني على هودج الحزن أطوي الصحارى وأطلب من رملها أن يبل عروقي.
 
كأن الكلام انتهى, وكأني هرمت, وأوحش سرداب قلبي فليس يبلله غيم روحي,
 
وليست تضيء بروقي.
 
كأن الأفاعي تفحُّ, وتمتص سكّر قلبي, وتسكب شهوتها في بياضي.
 
كأن القرى تركت شالها في العراء, وقصت ضفائرها
 
منذ ودعتها, فاتركوني أعود لها, وأصب على رملها فتنتي واتركوني أربي ضفيرتها
 
وأعيد لها شالها,
 
واتركوني أعود,
 
وأنفخ فيما تبقى من الجمر في نار أمي.
 
كأني إلى الوهم أمشي.
 
أقيم خيامي وأهدمها, وأعرِّي الصحارى بريحي.
 
وأدفن في رملها المتلبد روحي.
 
كأني إلى الوهم أمشي.
 
كأن المدينة قد خيطت منذ داهمتها كفني
 
وأعدت شوارعها حين أقبلت نعشي.
 
كأني إلى الوهم أمشي.
 
ولكنني حين آوي لكهفك يا أيها الشعر
 
يا أيها الكاهن الوثني العتيق
 
أرى في القصائد مملكتي
 
وأقيم على شرفة الحب عرشي.
© 2024 - موقع الشعر