أم البنات - مانع سعيد العتيبه

الشك عندك داء
ما فاد فيه دواء

أم البنات كفانا
أصابنا الإعياء

بك الظنون استيدت
والغيرة العمياء

فلتستريحي قليلا
لأنني أشلاء

في آخر الليل تصحو
ظنونك السوداء

وترقبين حضوري
كأننا أعداء

لا عين عندك تغفو
ليستريح العناء

ما دام جوك غيما
فكيف تصفو السماء

أمام غرفة نومي
كرسيك المستاء

يقول : قومي ونامي
فقد أطل الضياء

لكن وعنادك أقوى
وفي العناد الشقاء

وحين آتى أخيرا
أقول : طاب المساء

فيعلن الصمت حربا
وحربه شعواء

فلا التجاهل يجدي
وفي الجدال البلاء

وأول الغيث تأتي
دموعك الخرساء

كأنني لا أراها
أقول : أين العشاء

وعندها يتعالى
إلى السماء البكاء

أصيح بالله قولي
هل حل فينا القضاء

ماذا جرى في غيابي
وما هي الأنباء

ينهار صمت وتدري
عواصف هوجاء

ماذا جرى ؟ لست تدري
أم أن هذا ادعاء

في آخر الليل تأتي
ما فيك إلا العياء

وفي الصباح تولي
وتدعي ما تشاء

إذن بربك قل لي
متى يكون اللقاء

أقول : مهلك ماذا
تفيدك الضوضاء

لو استمر صراخ
سيفزع الأبناء

ولو علمت ظروفي
ما كان هذا الجزاء

بغير سابق علم
ضوفنا قد جاءوا

نعم .. وأي ضيوف
عيونهم حوراء

سلمى ، سعاد ، وداد
خديجة ، حسناء

ليلى ، صباح ، نجاة
مليكة ورجاء

نجية وسهام
عزيزة وسناء

سكينة وزهور
وفاطم الزهراء

لبني ونجوى وسلوى
فتحية وصفاء

أصيح : بالله كفي
ما تزعمين هراء

إن الضيوف خليل
وحارب وعلاء

سيف ، نصيب ، سعيد
وسالم وبهاء

لا ، لا ، محال محال
يا سيدي الإخفاء

انظر لثوبك واشرح
من أين جاء الطلاء

راقصت ليلى وسلمى
أم سلمت عفراء

رأيتها ذات يوم
كأنها خنفساء

القبح فيها جلي
والحسن منها براء

وفوق ذلك قالوا
بأنها حمقاء

وأمس بانت أمامي
أرقامها النكراء

في دفتر سري
عنوانه حواء

في جيب ثوبك يخفى
ولا يدوم خفاء

فتحته دون قصد
لتظهر الأسماء

عفراء هذي فتاة
حقودة صفراء

كلمتها لم تجبني
كأنها صماء

قالت : ألو " باصطناع "
فغث سمعي المواء

لم أشف منها غليلا
وما أتاني العزاء

لأنها صدمتني
الحية الرقطاء

بقطع خط اتصال
فما لناري انطفاء

أم البنات ارحميني
فإن هذا افتراء

والله إني بريء
وصفحتي بيضاء

تقاطعين بصوت
في طيه استهزاء

مسكين ، يا روح قلبي!
أنا هي البلهاء

صدقت زعمك حتى
جنى علي الغباء

فرشت دربي ورودا
وتحت وردك ماء

تمر أيام عمري
كما يمر الهواء

في لهفة وانتظار
واليوم فاض الإناء

وكيف تفرج همي
قصائد عصماء

مادمت أعلم أني
والأخريات سواء

مهلا ، فأنتِ حياتي
وجنتي الفيحاء

والعشر ما كان لولا
جبينكِ الوضاء

هذا كلام جميل
يجيده الشعراء

يدرون أن الغواني
يغرهن الثناء

ولن أصدق حتى
لو صدق القراء

حقا أراك وفيا
ومنك بان الوفاء

أما الدليل فكحل
بريقه لألاء

على قميصك يزهو
وبقعة حمراء

وعطر باريس يحكي
كم عانق الأصدقاء

أنت البريء ولكن
جنت عليك النساء

وأغلب الظن عندي
عليك حل اعتداء

فأطرق الرأس حينا
ويعتريني الحياء

لكن أمام التحدي
لا شك يحلو الدهاء

أقول : يا بعد عمري
على القميص دماء

فقد أصبت بجرح
وما لجروحي شفاء

أبي تشكين يا من
لها حياتي فداء

عيناك مصدر كحل
على قميصي يضاء

ومن شفاهك جاءت
الحمرة الغراء

وكم لعطرك يحلو
على ثيابي البقاء

يفيض دمع غزير
وترجف الأعضاء

إن الهجوم تداعى
كما تداعى البناء

وحين يسكن عصف
وتهدأ الأنواء

ويصبح الشرح دوري
ودورك الإصغاء

أقول : ما عدت أدري
هل حل فينا وباء

فكل يوم لدينا
معارك رعناء

ما بين شك وظن
يضيع منا الصفاء

والله هذي حياة
يعافها الأحياء

إن كان فعلك حبا
فما هي البغضاء

لولا توسط قوم
لهم لدي ولاء

لغاب عنا ربيع
وطال فينا الشتاء

واليوم أخشى إذا ما
تدخل الوسطاء

ألا أطيع وتنأى
عن بيتنا السراء

فتصمتين قليلا
ويبدأ استجداء

وتهمسين : عشاء
أقول : كلا غداء

فتضحكين بود
وتعشب البيداء

لكن ورغم التصافي
ما للظنون انتهاء

أقول : أين حنان ؟
وأين أين وفاء ؟

تجهزان فطورا
قد ضاع منا العشاء

فتنظرين بريب
ويعتريك استياء

وتصرخين تعالي
إلى هنا حسناء

وحين يفتح باب
ويستجاب النداء

يطل وجه قبيح
وسحنة غبراء

تصغي إليك بصمت
كأنها بكماء

تهز رأسا وتمضي
حسناؤك البلهاء

أقول : هذا انقلاب
أم أنها الأهواء

فتعلنين بفخر
ما قرر الحكماء

أن لا بقاء لبنت
في حسنها إغراء

طردتهن جميعا
تشاء أو لا تشاء

يعملن من غير جد
وما لهن انتماء

وجوههن عليها
من كل لون غطاء

وفي العيون التحدي
يقول مالي كفاء

يحرصن ألا يداري
جمالهن الرداء

كمعرض صار بيتي
تزهو به الأزياء

أعاملات لدينا
يا سيدي أم ظباء

طردتهن ومالي
عن القرار انثناء

فعلت خيرا ولكن
يا جنتي الغناء

بغير تلك وهذي
لا تحمل الأعباء

والعاملات لدينا
جميعهن سواء

فإن بدون حسانا
ما ذنبها الحسناء

فلتغفري للصبايا
من ماله أخطاء؟

فتبسمين بلطف
وتنجلي الظلماء

ويعلن البشر صفحا
لأننا رحماء

وتسألين بمكر:
أطابت الأجواء؟

بلى بلى يا حياتي
وطاب منك السخاء

طبعا سأسمع شعرا
فيه المديح هجاء

فكن صريحا أمامي
وليمض عنك الرياء

هل أنت لي دون غيري
أم فيك لي شركاء؟

ذا هاتف البيت يشكو
ولا يبالي القضاء

مكالمات الغواني
ما حاطها الإحصاء

ورغم قسوة ردي
لم ترتدع نجلاء

قالت : أريد حبيبي
فإنه المعطاء

أجبتها بانفعال:
من أنت يا جرباء؟

قالت بكل برود:
قولي له الشقراء

وحين أغلقت خطا
تكلمت علياء

قالت : وقولي لحبي
بأنني السمراء

إن كان يرضيك هذا
فما لحزني انقضاء

أقول : أم بناتي
ما ضاع منك الذكاء

عليا ونجلا وفدوى
والغول والعنقاء

ما هن إلا سرابا
جادت به الصحراء

ولو نظرت بعمق
لبانت الأشياء

ماذا يردن أجيبي
ولتسطع الأضواء

يسعدن إن حل بيني
وبين أهلي الجفاء

فهل أكون بريئا
أم يصعب الإفتاء

ما آخذ الله قوما
بما جنى السفهاء

فيعلن الصفو سلما
وتوأد الهيجاء

هل ظل عندك شكوى
فليلتي ليلاء

عندي سؤال أخير
وبعده الإغفاء

فلتسألي يا حياتي
فكلني إصغاء

الصيف أقبل هلا
يكون فيه الهناء

ما تقصدين أبيني
لا ينفع الإيحاء

قصدت لندن طبعا
فما هي الآراء

أم البنات لماذا
أصابك استحياء

أتنشدين رحيلا
أم الرحيل عناء

بل الرحيل جميل
وللنفوس غذاء

والحر صار جحيما
ما من لظاه اختباء

فما تقول أجبني
ليفرح التعساء

أقول : لا بأس لكن
يظل عندي رجاء

سيروا إلى غنتوت
يحلو بها استرخاء

شواطىء ساحرات
وجنة خضراء

تنسين همك فيها
ويستعاد الرواء

ولندن كيف تحلو
وجوها حرباء

لا يستقر فحينا
سماؤها زرقاء

وبعد بضع ثوان
للريح فيها عواء

وللغيوم انتشار
وللشتاء ابتداء

وفوق ذلك قالوا
يسود فيها الغلاء

تستنفرين ويعلو
على الجبين الإباء

وتبدأين خطابا
يرنو له الخطباء

أأستجير بنار
إن جارت الرمضاء؟

غنتوت تحلو شتاء
والصيف فيها اكتواء

دعنا للندن نمضي
ليستعاد النقاء

نعيش كالناس فيها
إنا هنا سجناء

بناتنا ساخطات
يقلن : أين الكساء

وهل كلندن سوق
يطيب منها الشراء

أقول : أم بناتي
ما للجدال انتهاء

أمام أمرك تشقى
قصائدي العصماء

أقنعتني رغم أنفي
وها هو الإمضاء

موافق غير أني
ياليلتي القمراء

بلا وجودك قربي
فكل وقتي خواء

تستأنسين بمدحي
وينجح الإطراء

وحين يأتي فطور
أقول مالي اشتهاء

فتهمسين : لدينا
حريرة وشواء

أقول : شكرا ، كفاني
ما قدم الكرماء

أنا الشواء وقلبي
حريرة وحساء

جعلتِ ظنكِ نارا
تصلى بها الأحشاء

أحتاج ماء ونوما
فما هو الإجراء

اذهب ونم في هدوء
فيما شرحت اكتفاء

أردت ألا تظنوا
أن النساء إماء

أو أنهن جواري
وأنتم الأمراء

إن المساواة فرض
فكلنا شركاء

إذن شريكة عمري
ما زال عندي رجاء

أن أستريح قليلا
ففي الحوار الفناء

ويرحل الليل عنا
وخلفه الأصداء

نغفو قليلا ونصحو
فللأذان نداء

وحين أنهي صلاتي
يفيض مني دعاء

يا رب سدد خطانا
لتكمل النعماء

ولا تكنا لشك
يشقى به السعداء

فالشك أخطر داء
ما فاد فيه دواء

© 2024 - موقع الشعر