امامك فانظرْ أيّ نهجْيك تنهجُ - ابن الرومي

امامك فانظرْ أيّ نهجْيك تنهجُ
طريقان شتى : مستقيم واعوجُ

ألا أيهذ االناسُ طال ضريرُكم
بآل رسول اللَّه فاخشوا أو ارْتجوا

أكل أوانٍ للنبي محمد
قتيلٌ زكيٌ بالدماء مُضرَّجُ

تبيعون فيه الدينَ شرَّائِمة ٍ
فلله دينُ اللَّه قد كاد يَمْرَجُ

بني المصطفى ! كم يأكل الناس شُلَوَكم؟
لِبَلْواكُم عما قليل مُفَرَّجُ

أما فيهم راعٍ لحق نبيّهِ؟
ولا خائفٌ من ربه يتحرجُ

لقد عَمَهُوا ما أنزل اللَّه فيكُم
كأنَّ كتاب الله فيهم مُمجمج

ألا خاب من أنساه منكم نصيبَه
متاعٌ من الدنيا قليلٌ وزبرج

أبعد المُكنّى بالحسين شهيدكم
تضيئ مصابيح السماء فتسرج

لنا وعلينا ولا عليه ولا له
تسحسح أسراب الدموع وتنشج

وكيف نُبكِّي فائزاً عند ربه
له في جنان الخلد عيشٌ مُخرفجُ

وقد نال في الدنيا سناءً وصيتة ً
وقام مقاماً لم يقمه مزلجُ

فأنْ لا يكن حيا لدينا فأنه
وكنا نرجّيه لكشف عماية ٍ

بأمثاله أمثالُها تتبلَّجُ
فسَاهَمنَا ذو العرش في ابن نبيه

ففاز به والله أعلى وأفلجُ
أيحيى العلي لهفى لذكراك لهفة ً

يباشر مَكْواها الفؤادَ فيَنْضجُ
لمن تستجدُ الأرضَ بعدك زينة َ

فتصبح في أثوابها تتبرّجُ؟
سلامٌ وريحان وروح ورحمة

عليك وممدود من الظل سجسجُ
ولا برح القاع الذي انت جاره

يرفّ عليه الاقحوان المفلّجُ
ويا أسفي ألاَّ تَرُدَّ تحية ً

سوى أرج من طيب رمسك يأرجُ
ألا انما ناح الحمائم بعدما

ثَوَيْتَ، وكانت قبل ذلك تَهْزَجُ
ألا أيها المستبشرون بيومه

أظلت عليكم غُمة ٌ لا تفرَّجُ
أكلُّكُم أمسى اطمأن مِهادُه

فليس بها للصالحين مُعَرَّجُ
فلا تشمتوا وليخسأ المرء منكم

بوجهٍ كأَنَّ اللون منه اليَرَنْدَجُ
فلو شهد الهيجا بقلبِ أبيكُم

غداه التقى الجمعان والخيل تمعجُ
لأعطى يدَ العاني أو ارتدّ هارباً

كما ارْمَدَّ بالقاع الظليمُ المهيَّجُ
ولكنه ما زال يغشى بنحره

شَبا الحرب حتى قال ذو الجهل: أهوجُ
وحاش له من تلكم غير إنه

أبَى خطة َ الأمر التي هي أسمجُ
وأين به عن ذاك؟لاأين- إنه

إليه بِعِرْقَيْهِ الزَّكيين مُحْرَجُ
كأني به كالليث يحمي عرينه

وأشباله لا يزدهيه المهجهجُ
كأني أراه والرماح تَنوشُه

شوارع كالأشطان تدلى وتخلجُ
كأني أراه إذ هوى عن جواده

وعُفِّر بالتُّرْبِ الجبينُ المشجَّج
فحبِّ به جسماً الى الأرض إذ هوى

وحُبَّ به روحاً إلى اللَّه تعرجُ
أأرديتم يحيى ! ولم يطوأيطلٌ

طِراداً ولم يُدْبر من الخيل مَنْسِجُ
تأتتْ لكم فيه مُنى السوء هينة ً

وذاك لكم بالغي أغرى وألهجُ
وما بكُم أن تنصروا أوليائكم

ويُستدرج المغرور منكم فيدرجُ
أجنوا بني العباس من شنآنكم

وأوكوا على ما في العياب وأشرجوا
لأعنِقُ فيما ساءكم وأُهَمْلِجُ

فأحر بهم أن يغرقوا حيث لججوا
نَظَارِ لكم أنْ يَرجع الحقَّ راجعٌ

إلى أهله يوماً فتشجُوا كما شجوا
على حين لا عُذْرَى لمُعتذريكُم

ولا لكم من حجة الله مخرجُ
لقد ألحجوكم في حبائل فتنة

وبينهم إن اللواقح تنتجُ
غررتم لأن صدقتم أن حالة

وناتجها لو كان للأمر مَنْتَجُ
لعل لهم في مُنْطوِي الغيب ثائراً

سيسمو لكم والصبح في الليل مولجُ
بمَجْرٍ تضيق الأرض من زفراته

له زَجَلٌ ينفي الوحوشَ، وهَزْمَجُ
إذا شيمَ بالأبصار أبرقَ بيضُه

بوارقَ لا يسطيعهنّ المحمَّجُ
تُوامضه شمسُ الضحى فكأنما

يُرى البحرُ في أعراضه يتموجُ
يؤيده ركنان ثبتان: رجلهٌ

وخيلٌ كأَرسال الجراد وأَوْثَجُ
عليها رجال كالليوث بسالة ً

بأمثالها يُثْنَى الأبيُّ فَيُعْنَجُ
تدانوا فما للنقع فيهم خصاصة ٌ

تُنَفِّسه عن خيلهم حين تُرْهجُ
كان الزجاج اللهذميات فيهم

فَتِيلٌ بأطراف الرُّدْيِنيِّ مُسْرجُ
يودُّ الذي لاقوة أن سلاحه

هنالك خلخال عليه ودُملجُ
فيدركُ ثأرَ الله أنصارُ دينه

ولله أوسٌ آخرون وخزرجُ
ويقضي إمام الحق فيكم قضاءَه

تماماً، وما كلُّ الحوامل تُخْدَجُ
وتظعن خوفَ السبي بعد إقامة

ظَعائنُ لم يُضرب عليهنَّ هودجُ
مَهٍ لا تعادَوا غِرة البغي بينكم

كما يتعادى شعلة َ النار عَرْفجُ
أفي الحق أن يمسوا خماصاً وأنتم

يكاد أخوكم بطنة ً يتبعّجُ
تَمشُون مختالين في حُجراتِكم

ثقالَ الخُطى أكفالكم تترجرجُ
وليدُهُم بادي الطَّوى ووليدكم

من الريف ريَّانُ العظام خَدَلَّجُ
بنفسي الألي كظتهم حسراتكم

فقد عَلِزُوا قبل الممات وحَشرجوا
وعيرتموهم بالسَّواد ولم يزل

من العرب الامحاض أخضر أدعجُ
ولكنكم زرقٌ يزين وجوهكم

بني الروم ألوانٌ من الروم نعّجُ
أبى الله إلا أن يطيبوا وتخبثوا

وأن يسبقوا بالصالحات وتُفْلَجُوا
وإن كنتم منهم وكان أبوكم

أباهم فان الصفو بالرنق يمزجُ
لعمري لقد أَغرى القلوبَ ابنُ طاهر

ببغضائكم ما دامت الريح تَنْأَجُ
سعى لكم مسعاة سوءِ ذميمة ٍ

سعى مثلها مستكرَه الرجل أعرجُ
فلن تعدموا ما حنَّت النيِّبُ فتنة ً

تُحَشُّ كما حُشَّ الحريقُ المؤجَّجُ
وقد بدأت لو تُزْجَرُون بريحها

بوائجُها من كل أوب تبوَّجُ
دماءُ بني عباسكم وعلّيهم

لكم كدماء الترك والروم تُهْرَجُ
يلي سفكَها العورانُ والعرج منكم

وغوغاؤكم جهلاً بذلك تَبْهَجُ
ولكنْ هَناتٌ في القلوب تَنجنجُ

ولو أمكنتكم في الفريقين فرصة ٌ
لقد بينت أشياء تلوى وتحنجُ

إذن لاستقدتم منها وترَ فارسٍ
وإن ولياكم فالوشائج أوشجُ

أبَى أن تحبُّوهم يد الدهر ذكرُكم
لياليَ لا ينفكُّ منكم متوَّجُ

وأني على الاسلام منكم لخائفٌ
بوائقَ شتى بابُها الآن مُرتَجُ

وفي الحزم أن يستدرِك الناسُ أمركم
وحبلهم مستحكم العقد مدمجُ

نَظَارِ فإن اللَّه طالبُ وتره
بني مصعبٍ لن يسبق الله مدلجُ

لعل قلوبا قد أطلتم غليلها
ستظفر يوماً بالشفاء فتثلجُ

© 2024 - موقع الشعر