زمان آخر لهابيل - فاديا غيبور

هو ذا زمانك يا ابن آدمَ
فاقترفْ حمّى الخطيئةِ
مرّةً في إثرِ مرّه
واقتل أخاكَ مسالماً
واهتفْ: على الأرضِ المسرّهْ
واتركْهُ مسفوحاً على وجعِ الندمْ
لن تلقى عصفوراً
يكفّنُ في العشيةِ صاحبَهْ
هابيلُ يركضُ في دمائِكَ للأبدْ
باللهِ كيفَ قتلتَهُ
وأقمْتَ قداسَ الجسدْ؟
أنت الذي معه اتحدْ..
لم يدرْ غيرُ دمِ القتيلْ
والليلُ منْ دمِهِ اتّقدْ.
وطفا عذابُكَ فوقَ أوردةِ المياهْ
غدتِ الكهوفُ مدائنَ الندمِ العصيِّ
وصارَ صوتُ الجرحُ.. آهْ
فضفائرُ الأحزانِ نامَتْ فوقَ أعذاقِ النخيلْ
وبكى على النهرِ الصّهيلْ
وامتدّ في الدنيا صداهْ..
منذا تقاتلُ بعدما أرديته ثملَ البهاءْ؟
قاتلْ طواحينَ الهواءْ
وطُلِ السماءَ إن استطعتَ
فلن ترى
إلا جحيمك في السماءْ!
زمنُ النبوءاتِ القديمةِ قد مضى
ومضى زمانُكَ
فاحترِقْ بلظى عذابكَ
أنت مقتولٌ وقاتلْ
حاولْ طريقكَ باتجاهٍ ليس يعبرُهُ سواكْ..
قد أغلقوا كلَّ المعابرِ.. فاحترِسْ
قدماكَ في نهرِ الرّمادِ.. دَمُ النهارِ على يديكَ
وقلبُكَ المسكونُ بالأوجاعِ لم يبرحْ يسائلْ:
-لِمَ جاءَ هابيلُ القتيل؟!
لِمْ جاء هابيلُ المتوّجُ بالعذوبةِ
وانهمارِ الدفءِ من عينيهِ نهراً من حنانْ
وتبيعُهُ هوجُ الرياحِ تبيعهُ سُوَرُ الأخوّةِ
يوم تشتجرُ المصالحُ والرّماحْ..؟!
ويمرُّ صوتٌ راعفٌ فوق التلالِ يهزُّ أغصانَ احتضارِكَ:
-قُمْ.. تجدّدْ وامتشقْ ثأراً فإن الدَّمَ لا يُمحى
إذا ما جفَّ منتحباً وما وافاه دمْ..
أنتَ القتيلُ
وقبرُكَ الزمنُ الأصمْ
أنتَ القتيلُ
وهزّةٌ في كلِّ مفترقٍ من الكرةِ الشقيّةْ
ودماءُ هابيلَ الضحيةْ
تمتدُّ من وطنٍ إلى وطنٍ
ومن زمنٍ إلى زمنْ
لتعيدَ في ليلِ التبرجِ والدّمى
ترتيبَ أوراقِ القضيةْ..
آتٍ نشيدُك أيّها المقتولُ
فانهضْ من رمادكَ وابتدئْ خلقَ النهارْ
واحمِلْ وجودَكَ قبضةً
من نارِ حبِّك للحياةْ
وانسَ انتماءَكَ للعذوبةِ والخصوبةِ والترابْ...
ولطفلةٍ كانتْ تصوغُ طيوبَها
قربَ اتقادِك إن مررْتَ
فإن توارَتْ.. ظلتِ الذكرى
تضجُّ على يديكْ
وتلمُّ أزهارَ اشتهائِك للوجودْ
فاكسرْ إذا شئتَ القيودْ..
هابيلُ فانهضْ
حدّثتكَ النائحاتُ وهن يقصصْنَ الضفائرْ
وانفضْ رمادَ الصمتِ إنا بانتظارِك قادماً
فلقد طغى قابيلُ
واقترفَ الخطيئةَ كلَّ عمرٍ ألفَ مرّه
سبّح بحمدِ الجوعِ والمدنِ الفقيرةِ إن أتيتْ
سبحْ بحمدِ الذاهبينَ إلى حقولِ القمحِ
تستهوي أكفَّ المتعبينْ
وتشدُّهمْ.. لغَدٍ يكونُ كما أرادوا أن يكونْ
هابيلُ فانهضْ
قد طغى قابيلُ
واقترفَ الخطيئة كلَّ عمرٍ ألفَ مرّه
فادخلْ جنانَ اللهِ في شفقٍ بهيٍّ
واقتطِفْ ثمرَ الخلودِ وأرجعِ الألوانَ
للبحرِ الذي سُرِقَتْ قصائِدُهُ
وللشمسِ التي بيعَتْ ضفائِرُها بسوقِ الليلِ
فاكتحلتْ بصمتِ الليلِ وانسحبَتْ إلى الأحلامِ
لُمَّ الحزنَ عن قمرِ البيوتِ
وعنْ جباهِ المتعبينَ الطيبينَ
توسّموا نزفَ الجداولِ منْ مَدى كفيّكَ
واندلعوا قناديلاً من الأورادِ
وانتسبوا إليكْ
هابيلُ فانهضْ..
قد أتى زمنُ اقترابِكَ من حدودِ الثأر فاثأرْ
وابتدئْ ألقَ انتصارِكَ
بابتكارِ قصيدةٍ أخرى لبدءِ الكونِ
وادخلْ في دماءِ أخيكَ واهدرْها
نشيداً لاخضرارِ الأرضِ
واهدُرْها
لتبدأ رحلةَ التكوينِ تطهيراً لأولِ طعنةٍ
رحلتْ بصوتِكَ نحوَ باديةِ الكلامْ
ودخلتَ مملكة السلامْ
فاخلعْ سلامَكَ إنه الزمنُ الجديدْ
يدعو إليه قناعَ وجهِكَ للسقوطِ فدى الحقيقةِ
فليكنْ قابيلُ فيك الوجهَ والسكينَ والحقدَ القديمْ
فلعلَّ في زمنِ انقلابكَ
كلُّ طاغيةٍ رجيمْ..
© 2024 - موقع الشعر