ولي قمرٌ بابليٌ - فاديا غيبور

كلما جاءَ قلتُ: لي شرفتانِ من الوردِ
ولي قمرٌ بابليٌّ
وأغنيةٌ من كتابِ الربيعِ المزهِّرِ
فوقَ كرومِ الوطنْ..
كلما جئْتُ قال: لي طفلةٌ
من بهاءِ الصنوبرِ في جبلٍ سامقٍ فصَّلت ثوبَها
ومنْ زقزقاتِ العصافيرِ
ترحلُ بين أصابعِ ريحِ الأصيلِ ابتدَتْ صوتَها
واحتواها الشجنْ..
كلما جاءَ جئْتُ التقيْنا على رقصةٍ
يبتديها القرنفلُ
في حفلاتِ الكلامِ الجميلِ الموشّى
بذكرى صغيرين فرّا
إلى غابةٍ من عيونٍ يناورُها العمرُ
بالشوقِ والرغباتِ القديمةْ..
كأنَّ المدى ضحكةٌ أو...
كأنَّ الصنوبرَ تنهيدةُ الأرضِ
وهي تغيِّبُ بين ثنايا الترابِ وجوهَ الأحبةِ
آنَ الرحيلُ خلاصٌ منَ الشوقِ
والقلبُ بوابةٌ للدموعْ..
ثلاثينَ عمراً من الصبرِ والكلماتِ
انتظرتُ إيابَ حبيبي، فلم يأتِ، قالوا:
مضى نحو صدرٍ دفيءٍ حنونٍ كصدركْ
وقالوا: تشرَّد بين رياحٍ
أقلُّ من الحبِّ أهواؤها
وأكثرُ من موتِ طفلٍ بظلِّ جدارٍ
طقوسُ دماها..
فماذا أقولُ؟ وكانَ الحبيبُ ينامُ بصدري
ثلاثينَ عمراً وأغنيتينِ
وخمسَ فراشاتِ همسٍ وجرحٍ مديدْ..
وما قلتُ: إن الحبيبَ تقمَّصَ عشباً
يضيءُ جراحَ الترابِ العصيِّ
ولكنَّ ورداً يؤاخي الجراحَ
ترجَّلَ عن صهواتِ التوابيتِ
ذاتَ حضورٍ بهيٍّ لوجهِ حبيبي
تناثرَ فوقَ تخومِ البلادِ خريفاً أخيراً
فباحَ لصخرِ الجبالِ بسرِ الولادةْ..
دمٌ مالحٌ في عروقي يثيرُ ضجيجاً غريباً،
وبين أصابعِ كفيَّ ينتظرُ الحبرُ إيماءةَ الوردِ
كي يبتدي رقصَهُ في فضاء الكلامِ المحاصرِ
بالخوفِ والدمِ والأمنياتْ
أهدهدُ شوقَ البياضِ
إلى مطرٍ من حكاياتِ أمي
وأضمومةٍ من شقائقِ نعمانِ قريتِنا النائية..
أضمُّ عصافيرَ دوري تنامُ بشباكِ بيتي،
أمسِّحُّ عن ريشِها البردَ،
تغفو وتحلمُ أن تستعيدَ رفيفاً قديماً
تمزّقَ فوق يباسِ الغصونِ،
وأقرأُ أوراقَ زيتونةٍ في الجوارِ
تكفكفُ دمعَ المساءِ وتمضي
إلى خضرةِ الصحوِ والأغنياتْ.
توارت وراء الغيومِ الشفيفةِ شمسُ الصباحِ الجديدْ
 
وأوْسَعَ قلبي أناشيدَه للرياحِ
تجيءُ محملةً باختيالِ الثلوجِ
تمرُّ على جبلٍ أخضرِ الروحِ..
يندى بماءِ القصيدةْ..
دمٌ مالحٌ وضجيجٌ غريبٌ بصدري
وصدري مدينةُ عشقٍ بحجمِ الجراحْ
مدارٌ تطوِّف فيه الرياحُ.. البيوتُ..
الوجوهُ.. هديلُ الحمامِ الحزينِ..
نحيبُ احتراقِ الشجرْ..
صراخُ الوجوهِ التي أرّقتني
وبابُ حياتي سيغلقُ حتى يُدقَّ عليهِ
بكفِّ الحجرْ
فهل سنضيفُ إلى فعلِ (كانَ) المقدسِ
منذ عصورِ التألقِ (فعلَ) الحجرْ؟
ونكتبُ كلّ صباحٍ جديدٍ
ونخطبُ كلَّ مساءٍ جديدٍ:
تجنّى علينا القدرْ
تجنّى علي... نا
تجن...
وهل يتجنّى علينا القدرْ؟!
© 2024 - موقع الشعر