نُعمُ الفُؤادِ مَزارُهـا مَحظـورُ - عمر بن أبي ربيعة

نُعمُ الفُؤادِ مَزارُها مَحظورُ
بَعدَ الصَفاءِ وَبيتُها مَهجورُ

لَجَّ البِعادُ بِها وَشَطَّ بِرَكبِها
نائي المَحَلَّ عَنِ الصَديقِ غَيورُ

حَذِرٌ قَليلُ النَومِ ذو قاذورَةٍ
فَطِنٌ بِأَلبابِ الرِجالِ بَصيرُ

لَم يُنسِني ما قَد لَقيتُ وَنَأيُها
عَنّي وَأَشغالٌ عَدَت وَأُمورُ

مَمشى وَلَيدَتِها إِلَيَّ وَقَد دَنا
مِن فُرقَتي يَومَ الفِراقِ بُكورُ

وَمَفيضَ عَبرَتِها وَمَومى كَفِّها
وَرِداءُ عَصبٍ بَينَنا مَنشورُ

أَن أَرجِ رِحلَتَكَ الغَداةَ إِلى غَدٍ
وَثَواءُ يَومِ إِن ثَوَيتَ يَسيرُ

لَمّا رَآني صاحِبايَ كَأَنَّني
تَبِلٌ بِها أَو موزَعٌ مَقمورُ

وَتَبَيَّنا أَنَّ الثَواءَ لُبانَةٌ
مِنّي وَحَبسُهُما عَلَيَّ كَبيرُ

قالا أَنَقعُدُ أَو نَروحُ وَما تَشَأ
نَفعَل وَأَنتَ بِأَن تُطاعَ جَديرُ

إِن كُنتَ تَرجو أَن تُلاقي حاجَةً
فَاِمكُث فَأَنتَ عَلى الثَواءِ أَميرُ

فَأَتَيتُها وَاللَيلُ أَدهَمُ مُرسَلٌ
وَعَلَيهِ مِن سَدَفِ الظَلامِ سُتورُ

رَحَّبتُ حينَ لَقَيتُها فَتَبَسَّمَت
وَكَذاكُمُ ما يَفعَلُ المَحبورُ

وَتَضَوَّعَ المِسكُ الذَكِيُّ وَعَنبَرٌ
مِن جَيبِها قَد شابَهُ كافورُ

كُنّا كَمِثلِ الخَمرِ كانَ مِزاجَها
بِالماءِ لا رَنقٌ وَلا تَكديرُ

فَلَئِن تَغَيَّرَ ما عَهِدتَ وَأَصبَحَت
صَدَفَت فَلا بَذلٌ وَلا مَيسورُ

لَبِما تُساعِفُ بِاللِقاءِ وَلُبُّها
فَرِحٌ بِقُربِ مَزارَنا مَسرورُ

إِذ لا تُغَيِّرُها الوُشاةُ فَوُدُّها
صافٍ تُراسِلُ مَرَّةً وَنَزورُ

لا تَأمَنَنَّ الدَهرَ أُنثى بَعدَها
إِنّي لا مِن غَدرِهِنَّ نَذيرُ

بَعدَ الَّتي أَعطَتكَ مِن أَيمانِها
ما لا يُطيقُ مِنَ العُهودِ ثَبيرُ

فَإِذا وَذَلِكَ كانَ ظِلَّ سَحابَةٍ
نَفَحَت بِهِ في المُعصِراتِ دَبورُ

© 2024 - موقع الشعر