مُلِثَّ القَطـرِ أَعطِشهـا رُبوعًـا - أبو الطيب المتنبي

مُلِثَّ القَطرِ أَعطِشها رُبوعًا "
" وَإِلّا فَاسقِها السَمَّ النَقيعا

أُسائِلُها عَنِ المُتَدَيِّريها "
" فَلا تَدري وَلا تُذري دُموعًا

لَحاها اللهُ إِلّا ماضِيَيها "
" زَمانَ اللَهوِ وَالخَودَ الشُموعا

مُنَعَّمَةٌ مُمَنَّعَةٌ رَداحٌ "
" يُكَلِّفُ لَفظُها الطَيرَ الوُقوعا

تُرَفِّعُ ثَوبَها الأَردافُ عَنها "
" فَيَبقى مِن وِشاحَيها شَسوعا

إِذا ماسَت رَأَيتَ لَها ارتِجاجًا "
" لَهُ لَولا سَواعِدُها نَزوعا

تَأَلَّمُ دَرزَهُ وَالدَرزُ لَينٌ "
" كَما تَتَأَلَّمُ العَضبَ الصَنيعا

ذِراعاها عَدُوّا دُملُجَيها "
" يَظُنُّ ضَجيعُها الزَندَ الضَجيعا

كَأَنَّ نِقابَها غَيمٌ رَقيقٌ "
" يُضيءُ بِمَنعِهِ البَدرَ الطُلوعا

أَقولُ لَها اكشِفي ضُرّي وَقولي "
" بِأَكثَرَ مِن تَدَلُّلِها خُضوعا

أَخِفتِ اللهَ في إِحياءِ نَفسٍ "
" مَتى عُصِيَ الإِلَهُ بِأَن أُطيعا

غَدا بِكَ كُلُّ خِلوٍ مُستَهامًا "
" وَأَصبَحَ كُلُّ مَستورٍ خَليعا

أُحِبُّكِ أَو يَقولوا جَرَّ نَملٌ "
" ثَبيرًا وَابنُ إِبراهيمَ ريعا

بَعيدُ الصيتِ مُنبَثُّ السَرايا "
" يُشَيِّبُ ذِكرُهُ الطِفلَ الرَضيعا

يَغُضُّ الطَرفَ مِن مَكرٍ وَدَهيٍ "
" كَأَنَّ بِهِ وَلَيسَ بِهِ خُشوعا

إِذا استَعطَيتَهُ ما في يَدَيهِ "
" فَقَدكَ سَأَلتَ عَن سِرٍّ مُذيعا

قَبولُكَ مَنَّهُ مَنٌّ عَلَيهِ "
" وَإِلّا يَبتَدِئْ يَرَهُ فَظيعا

لِهونِ المالِ أَفرَشَهُ أَديمًا "
" وَلِلتَفريقِ يَكرَهُ أَن يَضيعا

إِذا ضَرَبَ الأَميرُ رِقابَ قَومٍ "
" فَما لِكَرامَةٍ مَدَّ النُطوعا

فَلَيسَ بِواهِبٍ إِلّا كَثيرًا "
" وَلَيسَ بِقاتِلٍ إِلّا قَريعا

وَلَيسَ مُؤَدِّبًا إِلّا بِنَصلِ "
" كَفى الصَمصامَةُ التَعَبَ القَطيعا

عَلِيٌّ لَيسَ يَمنَعُ مِن مَجيءِ "
" مُبارِزَهُ وَيَمنَعُهُ الرُجوعا

عَلِيٌّ قاتِلُ البَطَلِ المُفَدّى "
" وَمُبدِلُهُ مِنَ الزَرَدِ النَجيعا

إِذا اعوَجَّ القَنا في حامِليهِ "
" وَجازَ إِلى ضُلوعِهِمُ الضُلوعا

وَنالَت ثَأرَها الأَكبادُ مِنهُ "
" فَأَولَتهُ اندِقاقًا أَو صُدوعا

فَحِد في مُلتَقى الخَيلَينِ عَنهُ "
" وَإِن كُنتَ الخُبَعثِنَةَ الشِحيعا

إِنِ استَجرَأتَ تَرمُقُهُ بَعيدًا "
" فَأَنتَ اسطَعتَ شَيئًا ما استُطيعا

وَإِن مارَيتَني فَاركَب حِصانًا "
" وَمَثِّلهُ تَخِرَّ لَهُ صَريعا

غَمامٌ رُبَّما مَطَرَ انتِقامًا "
" فَأَقحَطَ وَدقُهُ البَلَدَ المَريعا

رَآني بَعدَ ما قَطَعَ المَطايا "
" تَيَمُّمُهُ وَقَطَّعَتِ القُطوعا

فَصَيَّرَ سَيلُهُ بَلَدي غَديرًا "
" وَصَيَّرَ خَيرُهُ سَنَتي رَبيعا

وَجاوَدَني بِأَن يَعطي وَأَحوي "
" فَأَغرَقَ نَيلُهُ أَخذي سَريعا

أَمُنسِيَّ الكناس وَحَضرَمَوتا "
" وَوالِدَتي وَكِندَةَ وَالسَبيعا

قِدِ استَقصَيتَ في سَلبِ الأَعادي "
" فَرُدَّ لَهُمْ مِنَ السَلبِ الهُجوعا

إِذا ما لَم تُسِر جَيشًا إِلَيهِمْ "
" أَسَرتَ إِلى قُلوبِهِمُ الهُلوعا

رَضوا بِكَ كَالرِضا بِالشَيبِ قَسرًا "
" وَقَد وَخَطَ النَواصِيَ وَالفُروعا

فَلا عَزَلٌ وَأَنتَ بِلا سِلاحٍ "
" لِحاظُكَ ما تَكونُ بِهِ مَنيعا

لَوِ استَبدَلتَ ذِهنَكَ مِن حُسامٍ "
" قَدَدتَ بِهِ المَغافِرَ وَالدُروعا

لَوِ استَفرَغتَ جُهدَكَ في قِتالٍ "
" أَتَيتَ بِهِ عَلى الدُنيا جَميعا

سَمَوتَ بِهِمَّةٍ تَسمو فَتَسمو "
" فَما تُلفى بِمَرتَبَةٍ قَنوعا

وَهَبكَ سَمَحتَ حَتّى لا جَوادٌ "
" فَكَيفَ عَلَوتَ حَتّى لا رَفيعا

© 2024 - موقع الشعر