لبنان والبحر وسلمى - ماجد الراوي

ألا يا بحرُ بالأمواجِ خُذْني
وسافرْ بي إلى بلدٍ بعيدِ

فإنْ أوصَلتَني لِمدى طُموحي
فأرجعني لأهلي من جديدِ

على صَخرِ الشُّطوطِ وضَعتُ رأسي
وأطْلَقتُ الخَيالَ بلا حُدودِ

سماءٌ تلتقي بالبحرِ دُنيا
على أطرافِها انْكَسرتْ قُيودي

ألا يا بحرُ يا هَدَّارُ إنّي
أحبُّ العومَ في الموجِ الشَّديدِ

ولي في هِمَّتي الشَّماءِ فُلْكٌ
يفُوقُ بعَزمِهِ فُلكَ الحديدِ

أراني مِثلَ موجِكَ لستُ أهْدا
فَهَبني موجَةً واسمَعْ نشيدي

وخُذني في بلادِ اللهِ حتَّى
أصيرَ كَقَشَّةٍ قُذِفَتْ ببيدِ

هديرُ الموجِ أذكرني اشتياقي
وإمضائي الشَّبابَ على الوعودِ

لقد سافَرتِ يا سلمى بعيداً
لشَطِّ الحُسنِ والزَّمنِ السّعيدِ

وقد فاجأتِني بِنَواكِ عَنّي
ويومُ مآبِ فُلكِكِ يومُ عيدي

هَجَرتِ الدّارَ يا سلمى بَعيداً
وظَلَّ مُعَذَّباً قَلْبُ الشَّريدِ

إخالُ تَرَنُّمَ الأنسامِ عُذراً
بعَثتِ به إليَّ معَ البريدِ

أُرَجّي من طُيوفِ اللَّيلِ طيفاً
كَنَجمِ الصُّبحِ في الحُسنِ الفريدِ

أنا المَقتولُ يا سلمى اشتياقاً
ففي قَتلي أقِلِّي أو فَزيدي

سألتُكَ مرَّةً يا بحرُ عنها
وقد عِفْتَ السُّؤالَ بلا ردودِ

ألمْ تَسْمَعْ؟ ألمْ تَفْقَهْ كلامي؟
أم انَّكَ مُنْكِرٌ حتّى وجودي

وكيفَ يُقالُ انَّكَ دونَ روحٍ
ومَوْجُكَ عازِفٌ لحنَ الخُلودِ

ألا يا ليتَني يا بحرُ طيرٌ
يمُرُّ بصَفحةِ الأُفْقِ المديدِ

لأحمِلَ بعضَ أشواقي إليها
وأنثُرَ فوقَ كَفَّيها قصيدي

ألم تَرَني وكَفّي فوقَ خدّي
أعيشُ كناسِكِ الجَبَلِ الوحيدِ

أُعَلِّقُ في سماءِ الشَّوقِ روحي
وجِسميْ جاثِمٌ فوقَ الصَّعيدِ

جَلَسْتُ على الرّمالِ أُجيلُ طَرْفي
وأحلُمُ من جمالِكَ بالمَزيدِ

أرى الأمواجَ فيكَ كراقِصاتٍ
تَهُزُّ بِخِفَّةٍ حُلوَ القُدودِ

أرى شمسَ الأصيلِ تَرُشُّ تِبراً
وتَنْشُرُ في الفَضا أحلى بُرودِ

بُرودٍ لونُها أزْجى خَيالي
فَجبتُ الكونَ بالفِكرِ الشَرودِ

على شّطِّ البحارِ أضَعتُ عُمري
فعُودي يا ليالي الوَصْلِ عودي

قَضَيْتَ العُمرَ يا قلبي انتظاراً
لطَيْفٍ غابَ في الأُفْقِ البعيدِ

مناسبة القصيدة

وقف الشاعر على ساحل البحر في مدينة صيدا اللبنانية فتذكر رحلة شعراء المهجر وكيف فارقوا أهلهم وأحبابهم سعيا وراء أمل ما وقد طالت غيبتهم لكن الشاعر عبر عن هذا الفراق بشخصية ( سلمى) في القصيدة والتي هي الحبيبة والامل ماجد الراوي من ديوانه المطبوع ( الوشاح
© 2024 - موقع الشعر