بكرتْ عليّ بسحرة ٍ تلحاني - كعب بن زهير

بكرتْ عليّ بسحرة ٍ تلحاني
وكفى بها جهلا وطيشِ لسانِ

ولقد حفظتُ وصاة َ من هو ناصحٌ
لي عالمٌ بمآقِطِ الخُلاَّنِ

حتى إذا برتِ العظامَ زجرتها
زجرَ الضنينِ بعرضهِ الغضبانِ

فرأيتها طلحت مخافة نهكة
مِنِّي وبَادِرَة ٍ، وأَيَّ أَوَانِ

ولَقَدْ عَلِمتِ وأنْتِ غَيْرُ حِلِيمة
ألاَّ يُقَرِّبَني هَوى ً لِهوَانِ

هَبِلَتْكِ أُمُّكِ هَلْ لَدَيْكِ فتُرْشِدِي
في آخر الأيامِ من تبيانِ

أَرْعَى الأمانة َ لا أَخُونُ ولا أُرَى
أبداً أدَمِّن عَرْصة َ الخَوَّان

وتنكَّرَت لي بعدَ ودٍ ثابتٍ
أنّى تجامعَ وصلُ ذي الألوانِ

يوماً طواعكِ في القيادِ وتارة ً
تَلْقَاكَ تُنْكِرُها مِنَ الشَّنَآنِ

طوراً تلاقيه أخاكَ وتارة ً
تلقاهُ تحسبهُ من السُّودانِ

ومريضة ٍ قفْرٍ يحاذرُ شرُّها
مِنْ هَوْلِها قَمَنٍ منَ الحَدَثانِ

غَبْراءَ خَاضِعة ِ الصُّوَى جَاوَزْتُها
ليلاً بكاتمة ِ السُّرى مذعانِ

حرفٍ تمدّ زمامها بعذافرٍ
كَالْجِذْعِ شُذِّبَ لِيفُهُ الرَّيّانِ

غضبى لمنْسمِها صياحٌ بالحصى
وقعْ القدومِ بغضْرة ِ الأفنانِ

تَسْتَشْرِفُ الأشْبَاحَ وهْيَ مُشِيحة ٌ
ببصيرة وحشيَّة ِ الإنسانِ

خوصاءَ صافية ٍ تجودُ بمائها
وَسْطَ النَّهَارِ كَنُطْفَة ِ الحَرَّانِ

تَنْفِي الظَّهِيرَة َ والغُبَارَ بِحَاجِبٍ
كَالكَهْفِ صَينَتْ دُونَهُ بَصِيانِ

زهراءُ مقلتها تردّدَ فوقها
عِنْدَ المُعَرَّسِ مُدْلِجُ القِرْدَانِ

أَعْيَتْ مَذَارِعُها علَيْهِ كَأَنَّما
تَنْمِي أَكَارِعُهُ عَلَى صَفْوانِ

فتعجرفتْ وتعرّضت لقلائصٍ
خوصِ العيونِ خواضعِ الأذقانِ

شَبَّهْتُها لَهِقَ السَّرَاة ِ مُلَمَّعاً
مِنْهُ الْقَوَائمُ طَاوِيَ المُصْرانِ

فغدا بمعتدلينْ لم يسلبهما
لا فيهما عوجٌ ولا نقدانِ

وكِلاَهُمَا تَحْتَ الضَّبَابِ كَأنَّمَا
دهن المثقِّفُ ليطه بدهانِ

وغَدَا بِسَامعَتَيْ وَأى ً أَعْطَاهُمَا
حَذَراً وسَمْعاً خَالِقُ الآذَانِ

© 2024 - موقع الشعر