طمأنينة السماء - فدوى طوقان

عج الآسى في نفسها
في ليلة مقرورة كافره

وحيده، ضاق بها مخدع
توغل في الوحشة السادره

كم شهد المكبوت من شجوها
تثيرو خلجاتها الثائره

كم التوت فيه على قلبها
تبكي أماني قلبها العاثره

وكم، وكم، ولا يد بره
تأسو جراح الزمن الغائره

تنهدت مما عراها، وقد
مالت على شرفتها حانيه

وقلبته بصرا تائها في
جوف تلك الظلمة الغاشيه

لا ومضة تخفق من كوة
لا نبأة تصعد من ناحيه

سوى هزيز الريح تهتاجها
أصداؤه المفجوعة الباكيه

وقلبها المحروم ما يأتلي
يدق خلف اضلع الواهيه

ورجت الوحشة أعماقها
في هيكل الليل الكئيب الضرير

فاصطرعت فيها أحاسيسها
كاللج يطغي في الخضم الكبير

ووثبت أشباح الامها
مجنونه، تشب شب السعير

فجمدت في جفنها دمعة
تصاعدت من قلبها المستطير

ثم همت محرورة مرة
طأنها تضرع المستجير

تلفتت وراءها في أسى
نحو مهاوي أمسها الغابر

لعل في أغواره لمحة
تلوح من ذكري سني عابر

لعل في الماضي وأطياقه
عزاءها من قسوة الحاضر

فما رأت غير حطام المنى
على صخور القدر الغادر

وبعض أشلاء هوى حالم..
مرتطم بالواقع الساخر

وسرحت أمامه طرفها
عبر غد مكتنف بالضباب

فأبصرت، ما أبصرت مهمها
مستبهم الآفق مخوف الشعاب

تبعثرت فيه الصور واختفت
معالم السبل وراء اليباب

وهي على الدرب ذعور الخطى..
رفيقها الوحدة والاغتراب..

والظمأ الكاسر لا يرتوي
في قلبها الهائم خلف السراب

وكان أقسى ما شجى نفسها
وانبعث الراعب من هجسها

تدفق الظلمة في يومها
في عدها المحروم... في أمسها..

ظلمة عمر كل أيامه
ليل تدجى في مدى حسها

النور، أين النور هل قطرة
تسيل منه في دجى يأسها

من أين والآقدار قد جففت
منابع الآضواء من نفسها

وفي شرود مبهم غامض
تعلقت مقلتها بالسماء

فانشق صدر الليل عن كوكب
مشعشع الوهج دفوق الضياء

كأن روح الله من فوقه
تمده بنورها عن سخاء

فانخطفت في ذهلة روحها
خلف النهايات..وراء الفضاء..

هناك حيث النور لا ينتهي
هناك حيث النور فوق الفناء

هناك غشتها طمأنينة
علوية ما لنداها حدود

وصاح من أعتاقها هاتف
ينتظم الأرض صداه البعيدراه البعيد

يا أرض، أحزانك مهما قست
وطبقت حولي مجالي الوجود

هيهات ان تلمس روحا سرى
فيها من الله ضياء الخلود

© 2024 - موقع الشعر